وأما الجدار… رأي أشرف يوسف

طبيعة الحياة أنها مليئة بالمصا عب والتحديات، وليس أحدٌ إلا وقد مر بظروفٍ صعبة وأوقاتٍ شديدة، يكون فيها أشد ما يكون حاجةً إلى الاطمئنان وسكون البال؛ ليتمكن من التعامل مع هذه الأوقات بهدوء وحكمة ليصل إلى بر الأمان أو النتيجة المرجوة
وكثيرا ما يتركز نظرنا في هذه الأوقات على الشدة والعسر والتحدي، ونغفل أو نعجز عن رؤية الأمل واليسر المصاحب لهذه الظروف الصعبة في ظاهرها
أدعوك في خلال الدقائق القادمة أن تصحبني في رحلة سريعة، ولكنها رحلة فيها مشاهد تستحق التأمل، وستخرج منها برؤية أكثر إشراقا .. بل سيزداد عندك الأمل كلما اشتدت الأمور!
قصة تبدو مألوفة
أكثرنا يعلم قصة نبي الله موسى مع العبد الصالح (الخضر)، وما حدث أثناء رحلتهما معا، ولكن … للقصة جانب وزاوية رؤية قد تكون مختلفة قليلا … لنرى معا..
طلب موسى من الخضر أن يصاحبه، ووافق الخضر بعد نقاش بينهما مع شرط اشترطه الخضر على موسى وهو ألا يسأله عن شيء حتى يخبره هو به ويفسره له، ولكن موسى (عليه السلام) اعترض عليه ثلاث مرات، وكان من الخضر أن فسر له ما حدث منه في الاعتراضات الثلاثة في نهاية رحلتهما معا
فكان أول اعتراض من موسى على خرق الخضر لسفينة لجماعة أحسنوا إليهما وأركبوهما معهم في سفينتهم
وكان ثاني اعتراض من موسى على قتل الخضر لغلام صغير دون ذنب أو حق يبرر ذلك
وكان الاعتراض الأخير عندما أقام الخضر جدار في قرية دخلوها ولم يجدوا من أهلها كرم ضيافة، كان الجدار على وشك السقوط فأقامه الخضر ودون أن يأخذ مقابل لعمله ذلك
فتعالوا ننظر لهذه الأحداث الثلاثة عن قرب..
الحدث الأول عندما ركبوا سفينة تخص جماعة يعملون في البحر، ثم إن الخضر أحدث خرقا في السفينة دون سبب ظاهر لذلك
الحدث الثاني هو أن الخضر قتل غلاماً صغيراً دون أن يكون هناك مبرراً لذلك
الحدث الثالث هو أن الخضر وموسى دخلا قرية وطلبا من أهلها أن يضيِّفوهما ولكن أهل القرية رفضوا، ثم وجدا جدار يوشك أن يقع فعمد إليه الخضر فأقامه، وذلك دون أن يأخذ على ذلك أجر
ولكن ما علاقة ذلك بالتيسير مع العسر؟!
ولنرى علاقة هذه القصة بغرض كتابة هذا المقال يجب أن نرجع لتعبير القرآن عند تفسير أفعال الخضر في كل موقف..
فإنه عندما تكلم عن السفينة التي خرقها قال: “أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا” فنسب الفعل هنا لنفسه “فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا”
وعندما تكلم عن الغلام الذي قتله قال: “وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا” فنسب الفعل هنا لنفسه ولله “فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا”
وعندما تكلم عن الجدار الذي أقامه قال: “وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ” فنسب الفعل هنا لله وحده “فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا…”
والآن اقترب لتشهد السر!
وليزداد المعنى وضوحاً انظر لحال كل من تأثر بفعله، فعندما تعلق الأمر بجماعة يعملون في البحر وهم عندهم شيء من القوة والقدرة فإن الفعل نُسِب للخضر، وعندما تعلق بأبوين كبيرين (ولكن عندهما شيء من القوة على أية حال) فقد نُسِب الفعل لله وللخضر، أما عندما تعلق الأمر بيتيمين لا قوة لهما ولا علم ولا قدرة فقد نسب الله الفعل له وحده عز وجل! وكأنه كلما ازداد ضعفك أو قلة حيلتك كلما كان الله أقرب لك وأكثر رعاية وعناية بك!
تذكر كلما مررت بوقت وظروف صعبة أن الله يبسط لك من التيسير ما يتناسب كيفاً وكماً مع ما تمر به، وأنه كلما زادت شدة الأمر زاد الله من تيسيره واعتنى بك أكثر.