بين شغف البدايات .. وحرص النهايات.. رأي أشرف يوسف

شغف البدايات

يعتقد البعض، أو الكثير من الناس، أن أصعب الأمر يكون أوله، وأن البدايات هي أصعب ما في كل شيء، فإذا تخطاها الإنسان هان ما بعدها … لن أختلف مع أن البداية، بداية كل شيء، فيها شيء من الصعوبة، ذلك أن الإنسان بطبيعته يخاف من التغيير بسبب خوفه العام من المجهول

ولكن ذلك الطرح، القائل بأن البداية هي أصعب ما في الأمر وأن ما بعدها سهل يسير لا عقبات فيه، هو طرح يغفل، أو يتغافل، عن شيء في غاية الأهمية مرتبط بالبدايات خاصة، هذا الشيء هو الشغف، فكما أن طبيعة الإنسان تخاف من التغيير والمجهول، فالإنسان بطبيعته أيضا شغوف باستكشاف مناطق جديدة غير التي ألفها واعتاد عليها، فهي تُشبع عنده الرغبة في الشيء الجديد، سواء كان معرفة، أو تجربة سلوكية أو وجدانية …

حرص النهايات

كذلك فإن الإنسان إذا كان معتاداً على شيءٍ ما حتى خفَت بريقُه في عينه، وبردت نار شغفه به، ثم اقتربت النهاية ولحظة الوداع، فإنه يشعر “فجأة” بقيمة هذا الشيء وأهميته في حياته، وتكون لحظات النهاية والوداع لحظات قاسية حزينة بالنسبة له، رغم أنه قبل هذه اللحظات كان ممتلكاً لهذا الشيء دون خوف فقدانه!

ولكنه الاعتياد!

“السر” الظاهر للجميع، والذي نتغافل عنه هنا هو “اعتياد” الإنسان على ما في يده، فلا هو شغوف به شغف البداية والاقتراب من الحصول عليه أو تحقيقه، ولا هو حريص عليه حرص من سيفقده بعد أن كان في يده … هو فقط وضعه في خانة الـ “عادي” والكلمة معبرة جداً على الآفة الإنسانية التي نتكلم عنها هنا، آفة اعتياد الإنسان على ما في يده، فتضمحل قيمة الشيء حتى تكاد تختفي فلا يرى له قيمة تُذكَر!

كل شيء في حياتنا

وما نتكلم عنه هنا ينطبق على كل شيء تقريباً في حياتنا، بدءاً من اقتناء الأشياء، فكل ما لا تملكه تشعر بقيمة حقيقية له، بل إنك غالباً تعطيه قيمة فوق قيمته الحقيقية، ثم إذا ملكته انطفأ نوره وصار “عادي”، فإذا جائت اللحظة غير المتوقعة وخسرته “تذكرت” “فجأة” أهمية هذا الشيء وقيمته في حياتك!

ثم إذا انتقلنا إلى الأشخاص، تجد نفس السلوك الإنساني تقريباً، فلو أعجبت بشخص بعيد عنك وأحببت أن تربطك به علاقة ما، كان في نظرك ذو أهمية كبيرة وكأنه الشخص الفارق في قصة حياتك، ثم إذا تحقق لك ما تريد تجد نفسك تراه شخص “عادي”، فإذا انتقلنا إلى الفصل الأخير “والقصير” في قصة علاقتكما، فصل “كلمة وداع” ارتفعت قيمة هذا الشخص مرة أخرى في عينك!

وقس على هذا في كل شيء في حياتنا..

مثال شهير، وقصة حزينة متكررة!

فإذا أردنا أن نضرب مثالاً يحدث لكل شخص تقريباً لنشعر إلى أي مدى هذا السلوك الإنساني صارخ، فلا أجد مثالاً أفضل من شهر رمضان المبارك، ففي هذا المثال الجميع يقع في نفس المشكلة، كذلك فهو مثال يتكرر كل عام، وهذا يزيد من فداحة الأمر!

فكلنا ينتظر قدوم شهر رمضان، ونُمنِّي أنفسنا بشهود الشهر، فإذا اقترب الشهر بدأنا الحديث عنه والاستعداد له (أياً كان شكل هذا الاستعداد)، فإذا دخل الشهر هنأنا أنفسنا بشهوده واستقبلناه بالعبادات والتسابق في الخير، يستمر هذا لعدد من الأيام، أسبوع، ربما عشرة أيام ..

ثم يحدث “شيءٌ ما” في وسط الشهر نعود بعده للاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر، مودعين الشهر بحزن على سرعة انقضائه، متمنين أن “تكون السنة كلها رمضان”!

أما ما يحدث في وسط الشهر والذي يتسبب في خمول العبادة وانحسار عمل الخير فهو نفسه موضوع الكلام في هذا المقال ..

أدعوك أن تبدأ من الآن إدراك سحر وأهمية فترة منتصف كل شيء وأن ترفع من طاقتك واهتمامك إذا فقدت شغف البدايات، وحرص النهايات .. وأن تبدأ التدرب على ذلك مع الشهر المبارك وهذه العشر الوسطى!

تعليقات فيسبوك

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق