قابل 200 ألف من الروم بـ 3 آلاف مسلم.. الصحابي خالد بن الوليد من قائد “أعنّة قريش” وغالب المسلمين في “أُحد” إلى “سيــ.ـف الله المسلول في مؤتة”
مدى بوست – فريق التحرير
يعتبر خالد بن الوليد من الشخصيات الإسلامية الهامة والبارزة، والتي لا تكفي مقالةً واحدة مهما طالت لعرض سيرته كاملة.
في هذا التقرير سنلخّص سيرة الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه، وسنستعرض أبرز إنجازاته وعبقريته العسكرية، وبعضاً من حياته قبل الإسلام وبعد الإسلام.
ولد خالد بن الوليد بن المغيرة في مكة المكرمة قبل الهجرة بحوالي 40 عاماً، في بيت سيادة من قريش، وهو بيت سيد بني مخزوم المغيرة الذين كان لهم القبّة وأعنّة الخيل في قريش (أي بمثابة وزارة الدفاع في قريش).
وكانت أم خالد بن الوليد عصماء بنت الحارث بن حـ.ـزن الهلالية رضي الله عنها، وكان له ستة إخوة وأختان من الإناث.
ونشأ خالد بن الوليد فارساً منذ صغره، ويجيد استخدام كافة الأسـ.ـلحـ.ـة في ذاك الزمان، وفارساً يجيد ركوب الخيل، ويحكى أنه كان يقود الفرس بقدميه.
خالد بن الوليد قبل الإسلام
بعد أن بدأ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلّم بالدعوة إلى الإسلام، وانقـ.ـسمت قريش لقسمين، قلّة تؤيده في البداية والغالبية ليست مصدقة بالرسول.
وكان خالد بن الوليد بعيداً عن تلك المناقشات، وفضّل أن يتركها لكبار بني مخزوم من والده وغيره من وجهاء قومه، لكنّه كان موافقاً لرأي أهله وإن لم يشاركهم بمجالسهم التي كانوا يكيـ.ـدون فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وأخذت الأمور تتطور إلى أن بدأت هجرة المسلمين إلى الملك النجاشي في الحبشة، ثم الهجرة إلى المدينة المنورة، وكان موقف خالد بن الوليد على الحياد، مع التأييد الضمن لأهله من بني مخزوم.
وجاءت بعد ذلك معـ.ـركـ.ـة بدر، ولم يكن خالد بن الوليد في جيش قريش، فكان النصر الكبير للمسلمين.
ثم جاءت معـ.ـركـ.ـة أحد، وكان خالد بن الوليد حاضراً فيها، وكان هو قائداً لكتيبة الفرسان، وبقي واقفاً طوال المعـ.ـركـ.ـة إلى أن لاحت بوادر الهـ.ـزيمة على المشـ.ـركين الذين كان يقودهم أبو سفيان وخالد لم يتحرك من مكانه.
كان خالد بن الوليد ينتظر جزءاً من جيش المسلمين حتى يتحرّك، وهم كانوا الصحابة رضي الله عنهم المتواجدين في “جبل الرمـ.ـاة”، وما إن نزل معظمهم لجمع الغنائم، حتى استغــ.ـل خالد بن الوليد تلك الفرصة والتف عليهم، ليقـ.ـلب موازين المعـ.ـركة من هـ.ـزيمة للمشـ.ـركين إلى انتصار لهم، بفضل عبقرية خالد بن الوليد وتخطيطه.
ومن المواقف الأخرى لخالد بن الوليد، والتي أظهر فيها عبقرية كبيرة قبل إسلامه، هي في غـ.ـزوة الأحزاب، عندما كان فرسان قريش يحاولون يتجاوزون الخـنـدق ولم ينجحوا.
وكان خالد بن الوليد إذا ذهبت خيول قريش، عاد هو ومن معه محاولين الاستفادة من أن المسلمين يكونون في فترة راحة، فحاول أن يستفيد من ذلك.
مرت الأيام، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته عليهم رضوان الله إلى الحج في عام “الحديبية”، وكانت الأحاديث تدور في قريش قلـ.ـقاً مما إن كان الرسول وصحابته قادمون للحج أم للحـ.ـرب.
أرسلت قريش آنذاك بعضاً من الخيالة لاستطلاع الأمر، فخرج خالد بن الوليد مع بعض الفرسان، وتصادف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل صلاة الظهر ولم يكن مع الرسول وصحبه سوى السـ.ـيوف، فيما خالد وفرسانه بكامل عتـ.ـادهم.
ويحكى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم صلّى وصحابته “صــلاة الخـ.ـوف”، لكن خالد بن الوليد لم يهـ.ـاجمـ.ـهم، فقد كان على الرغم من عدم إسلامه بعد يمتلك أخلاقاً كريمة ونبيلة لم تسمح له بالتقدم نحو قوم يعبدون ربهم.
حدث بعد ذلك “صلح الحديبية”، الذي رأى فيه الكثير من المسلمين آنذاك أنه ليس في صالح المسلمين، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قد قال “أنرضى الدنـ.ـية في ديننا”؟، في إشارة لما تضمنه صلح الحديبية من بنود، ومنها أن الصحابة لا يدخلون هذا العام ويأتون العام القادم لبيت الله على أن يخلى لهم بيت الله للعبادة.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدح خالد بن الوليد قبل إسلامه
ولما أتى رسول الله وصحابته الأبرار إلى مكة المكرمة في العام الذي تلى الحديبية، كان معهم الوليد ابن الوليد فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم “أين خالد؟”، فقال :” يأتي الله به”، فقال الرسول :” ما مثل خالد يجهـ.ـل الإسلام”.
أرسل الوليد لأخوه خالد رسالة، قال فيها :” عجـبت من رأيك يا خالد أمثلك يجهل الإسلام وعقلك عقلك”، وكان خالد يفكّر في الإسلام وفي تلك الأثناء أتاه ما مدحه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله فيه أنه ” لو جعل نكـ.ـايته وحدة مع المسلمين على المشـ.ـركين لكان خير له وقدمناه على غيره”.
كان ذلك الكلام بمثابة تشجيع لخالد، فبدأ الأمر يدخل في نفسه، فذهب إلى صديق شبابه صفوان ابن أمية وعرض عليه أن يصحبه إلى المدينة ويدخلوا في دين الإسلام الذي ينتشر، لكن صفوان لم يقبل.
إسلام خالد بن الوليد
ثم ذهب خالد إلى عكرمة ابن ابي جهل، وكان رده مثل رد صفوان، فذهب إلى عثمان بن أبي طلحة، وأخبره أنه ذاهب إلى الإسلام، فاقتنع معه واتجهوا إلى المدينة للإسلام.
وهم في طريقهم إلى المدينة، رأوا داهية العرب عمرو بن العاص، فسألهم إلى أين فقالوا ذاهبين إلى المدينة نسلم، فقال هذا الذي خرجت من أجله، ومضوا معاً.
ولما وصلوا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل الثلاثة إلى المدينة، ودخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مبتسم، وقال لخالد :” الحمد لله الذي هداك فقد كنت أرى لك عقلاً ورجوت أن لا يسلمك إلا لخير”.
وتذكر المصادر التاريخية أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أسلم في قبل فتح مكة المكرمة بستة أشهر، في شهر صفر من العام الثامن للهجرة.
خالد بن الوليد في مؤتة
ودخل خالد بن الوليد الإسلام، ولم يسمى باسم “سيـ.ـف الله المسلول” إلى أن جاءت معـ.ـركـ.ـة مؤتة التي تعتبر أول مقابلة عالمية بين المسلمين وبين الروم والغساسنة الذين كانوا من كبرى إمبراطوريات الأرض، وأول مشاركة لخالد بن الوليد في صفوف المسلمين، فلما أتت مؤتة لم يكن قد مرّ على إسلامه سوى شهرين.
اقرأ أيضاً: واشنطن بوست: 10 أوبئة أعادت صياغة العالم عبر التاريخ
وقد كان عديد الروم في “مؤتة” حوالي 200 ألف، مقابل 3 آلاف فقط للمسلمين، وقد كان قادة المسلمين آنذاك ثلاثة أسماهم الرسول عليه الصلاة والسلام، هم بالترتيب زيد بن الحارث، فإن قتـ.ـل جعفر بن أبي طالب، وإن قتـ.ـل عبد الله بن رواحة، ولم يكن هناك اسم لأحد من بعدهم.
ولما بدأت “مؤتة” استشهـ.ـد القادة الثلاثة فبقيت الراية بدون حامل لها، فحملها أحد المسلمين وقال اتفقوا على قائد، فقالوا أنت، فقال ما أنا بقائد، وذهب بالراية إلى خالد بن الوليد وقال له أنت أعلم بالقــ.ــال مني، فأجابه خالد أنت شهدت بدر وأنا لم أشهدها (إشارة لحداثة إسلامه)، فنادى الرجل بالمسلمين باسم خالد، فوافقوا عليه وبدأت قيادته لمؤتة وانتهى اليوم الأول منها.
وفي اليوم الثاني، بدأت عبقرية خالد بن الوليد، حيث وضع خطة جديدة، قام فيها بإعادة ترتيب صفوف الجيش، فجعل الميمنة في الميسرة، والميسرة في الميمنة وقدم الساقة، فغير تركيبة الجيش براياته، وكان هناك بعض الفرسان المسلمين يجعلون جلبة في نهاية الجيش ويثيرون غبار بحيث يبدو كأن هناك مدد يأتي للمسلمين، ويعتبر خالد بن الوليد أول من غير أماكن الجيش في التاريخ.
جعل ذلك الروم يطلبون السلامة، فكانوا قد رأوا جيشاً صغيراً للمسلمين بثبات غير معهود لهم، فكيف بهم ويأتيهم رجال مثلهم كمدد لهم، وكان ذلك ما يطلبه خالد بن الوليد، أن يعود بالمسلمين سالمين.
خالد بن الوليد .. سيـ.ـف الله المسلول
ووضع خالد بن الوليد خطّة للانسحاب، أبهرت العالم، وأظهرت مدى تمكنه وبراعته كقائد عسكري لا يجارى، إذ أنه ورغم انسحاب المسلمين فلم يستشهـ.ـد منهم سوى ثلاثة عشر فارس، أما الروم فقد تجاوز عدد قتـ.ـلاهـ.ـم الثلاثة آلاف وثلاثمائة، وهو ما يجعل من “مؤتة” بمثابة نصر كبير للمسلمين الذين واجهوا واحدة من أكبر إمبراطوريات الأرض آنذاك.
وتنقل المصادر التاريخية الإسلامية أن خالد بن الوليد كسـ.ـرت في يده يوم مؤتة 9 سيـ.ـوف أثناء أيام مؤتة، وقد أبدى شجاعةً كبيرة وهو ما جعل رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم يطلق عليه لقب “سيـ.ـف الله المسلول”.
ونكتفي بهذا القدر من سيرة الصحابي الجليل خالد بن الوليد، على أن نكمل قصصه مع الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في الأيام القليلة القادمة.
