تحـ.ـدّى الخليفة معاوية وعزل والياً وأعاده دون كلام.. الأحنف ابن قيس “أحلم العرب” الذي دعا له الرسول وأعجب به “الفاورق عمر”

تحـ.ـدّى الخليفة معاوية وعزل والياً وأعاده دون كلام.. الأحنف ابن قيس “أحلم العرب” الذي دعا له الرسول وأعجب به “الفاورق عمر”
مدى بوست – فريق التحرير
عندما أرسل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلّم وفداً إلى العراق من أجل دعوة بني تميم إلى الإسلام، ووصل الصحابي المُرسل لبني تميم وحدثهم عن الإسلام في مجلسهم لم يجب أحد على كلامه من الحضور.
فقد كان الجميع ينظرون إلى رجلٍ بينهم ينتظرونه حتى يتكلّم، إنه الأحنف ابن قيس المشهور بوصف “أحلم العرب”، فضحك الأحنف وقال لهم، الرجل (المتكلم) يدعوكم إلى الخير، وترك المنـ.ـكر، وعبادة الله وحده، وتنظرون إلي، أسلموا، وبالفعل أعلن بني تميم إسلامهم.
ولما عاد الصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فبشّره وأبلغه بما كان في مجلس بني تميم وما كان من الأحنف، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام ” اللهم اغفر للأحنف”.

قصص الأحنف بن قيس مع عمر بن الخطاب
مرت السنوات، وجاء عهد عمر بن الخطاب رضي الله، وبدأت فتوحات القادسية، وكان الأحنف ابن قيس أحد المشاركين فيها كما شارك في “تستر” الشهيرة.
وفي أحد الأيام، أرسل عمر بن الخطاب رسولاً إلى العراق، وطلب منه أن يأتي بعشرة من رجالها ليسألهم عن حال البلاد ويخبرونه عن ما يحدث في الفتوحات وما يحتاجونه.
عندما انتهى حديثهم مع عمر عن الفتوحات، سألهم عن حوائج الناس، فقالوا له أنك أمير المؤمنين وأنت أعلم بها منا، فسألهم عن حوائجهم، فراح كل رجلٍ منهم يتحدث عن حاجته إلى أن وصل الدور إلى الأحنف.
فقال الأحنف وهو من أهل البصرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، إن الناس الذين دخلوا بلاد فارس، وجدوا فيها خيراً، وكذلك الذين دخلوا بلاد الشام وجدوا خيراً، وكذلك من دخلوا مصر، لكن أهل البصرة أرضهم لا تنبت وحولها البحر، ونحتاج لها آبار لتشرب الناس وتعود إليها الحياة، فالتفت عمر بن الخطاب للرجال التسعة الآخرين وقال لهم “أعجـ.ـزتم أن تكونوا مثل هذا؟”، في إشارة لمدى إعجابه بالأحنف.
ولما أراد القوم أن يمضوا، قدم لهم عمر بن الخطاب جائزة لكل منهم فأخذوها، إلا الأحنف لم يقبل وقال أنا لم آتي إليك من أجل جائزة أو هدية، وهم بالانصراف وحمل متاعه، فكان بينه ثوب غالي الثمن.
ومن المعروف أن عمر بن الخطاب كان رجلاً زاهداً في الدنيا، فلما شاهد الثوب، سأل الأحنف عن سعره، وبما أن الأحنف يعرف عمر وزهده، قال له اشترتيته بثمانية دراهم، رغم أن ثمن الثوب الحقيقي هو 24 درهم.
يقول الأحنف أن تلك كانت هي الكـ.ـذبة الوحيدة التي كـ.-ذبتها في حياتي وكانت “حياء”، ورغم ذلك قال لي عمر ليتك اشتريته بدرهمين وتبرعت بالباقي.

ولما شاهد عمر بن الخطاب الأحنف وأعجب به، طلب منه أن يبقى مقيماً بجواره إلى أن يأذن له، وبالفعل بقي الأحنف في جوار عمر لمدة عام كامل، وبعد ذلك استأذن الأحنف منه أن يسير إلى أهله فأذن له، فسأله عن سبب إبقائه لديه كل هذه المدة إن لم يكن يريد منه شيء.
فأجابه عمر، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حـ.ـذّرنا من المنـ.ـافق وأنت يا أحنف لم يمر علي رجلٌ بلباقتك وحلمك، فخـ.ـفت أن يكون ما في قلبك غير ما هو على لسانك، لكنك “قلبك مرآة لسانك” وهو ما يعبر عن مدى احترام عمر وحبه للأحنف.
وعندما عاد الأحنف بن قيس إلى البصرة، أرسل عمر بن الخطاب إلى أبو موسى الأشعري وطلب منه أن يقرب الأحنف لأنه رجلٌ صالح.
معاوية بن أبي سفيان و الأحنف ابن قيس
مرت السنوات وحدثت الفتـ.ـنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في “صفين”، و من المعروف تاريخياً أن الأحنف بن قيس كان من قادة جيوش علي بن أبي طالب.
وعندما استتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان، بايع الأحنف وأطاع معاوية بوصفه أميراً للمؤمنين وحاكماً للمسلمين.
وفي أيام خلافة معاوية بن أبي سفيان، دخل الأحنف بن قيس مع مجموعة من قومه إلى مجلس معاوية، فلما دخل قال له معاوية :”أنت الشاهر علينا سيـ.ـفك يوم صفين؟”، فقال الأحنف يا معاوية لا تؤنبنا فيما مضى، ولا ترد الأمور على أدبارها، فإن القلوب التي أبغـ.ـضناك بها بين جوانحنا، والسيـ.ـوف التي قاتـ.ـلناك بها يوم صفين على عواتقنا”.
ويقال أنه في تلك الجلسة، حدث نقاشاً بين الأحنف ومعاوية، ما لبث أن تطور، وتجلّف معاوية مع الأحنف، فكان يناديه يا أبا بحر، ثم راح يناديه يا أحنف، فقال له الأحنف يا معاوية؟، فسكن معاوية.
وكانت ابنة الأحنف قريبة من مجلس والدها تسمع ما فيه من خلف خباء، فلما ذهب القوم، سألت والدها “من هذا الذي يتهـ.ـدد؟” وكيف هذا يقول لك يا معاوية وأنت أمير المؤمنين وتتركه يخرج بسلام؟، فقال لها أنا من شـ.ـددت عليه، وإنه لرجلٌ حليم، وإن وراءه مئة ألف سيـ.ـف (رجل) يغضـ.ـبـون لغـ.ـضـ.ـبه ولا يسألونه لماذا غـ.ـضـ.ـب”، أي أن قوم الأحنف بن قيس ينصرونه دون سؤاله.
الأحنف ابن قيس عـ.ـزل والياً وأعاده لمنصبه وهو صامت
عبيد الله بن زياد، وهو رجل كانت له يد في قتـ.ـل الحسين رضي الله عنه، وقد كان عبيد الله أمير الكوفة في عهد معاوية وفي يوم من الأيام كان لدى معاوية وفد من العراق بينهم الأحنف، فسألهم معاوية عن عبيد الله، فاجابوه أنه رجل جيد، إلا الأحنف لم يتكلّم.
فقال الأحنف، إن تكلّمت سوف أخالف هؤلاء الرجال كلّهم، فقال معاوية: أشهد الله أنّي قد عـزلـت عبيد الله، ثم مرت عدة أيام، وكان الأحنف ما يزال يحضر مجلس معاوية، إلى أن جاء أربعة من وجهاء بني أمية ليختار معاوية أحدهم يوليه الكوفة بدلاً من عبيد الله.

وعندما تحدّث معهم، وناقشهم في الأمر والأحنف يسمع، ثم سأله معاوية عن رأيه بهم ومن الأفضل للكوفة، فقال له إن كان واحداً من هؤلاء، فإني أرى عبيد الله أفضل، فقال معاوية، اشهدوا أني أعدت عبيد الله بن زياد إلى الكوفة.
ويقال أن معاوية أرسل بعد ذلك رسالة إلى عبيد الله بن زياد يقول فيها، كيف تبعد رجلاً مثل الأحنف بن قيس عنك، وقد تمكن من أن يعزلك ويعيدك وهو صامت.
كيف تعلّم الأحنف بن قيس الحلم؟
يعتبر “الحلم” من أشهر الصفات التي يتميّز بها القادة، ويعتبر سيد الحلم في العرب هو “الأحنف بن قيس التميمي” ولما تم سؤال الأحنف ممن تعلمت الحلم؟ أجاب من “قيس بن عاصم المنقري”، وروى لهم أنه كان جالساً مرة لدى قيس بن عاصم، وكان قيس يتحدث في مجلسه وهو محتبئ (طريقة جلوس).
وفي أثناء حديثه، دخل إليه أولاده، ومعهم أخوهم (أي ابنه) وهو مقـ.ـتـ.ـول، ومعهم ابن عمهم وهو مربوط بحبل، فلم ينظر إليهم إلى أن فرغ من حديثه، ثم سألهم عن شأنهم فأخبروه أن ابن عمّهم هو من قـ.ـتـ.ـل ابنه.
فقال لهم :” فكـ.ـوا رباط ابن عمّكم، وأعطوا والدتكم ديـ.ـة ابنها فهي ليست من بني تميم”، فكان ذلك الموقف هو الذي علّم الأحنف بن قيس الحلم، حيث أظهر قيس بن عاصم صبراً وحلماً وحكمة غير متوقعة حسبما تروي المصادر التاريخية.
وقيس بن عاصم هو أوّل من وأد البنات في تاريخ العرب، وبعده أخذتها العرب سنّة، وسنروي قصّته في مادة أخرى، وسنكمل حالياً عن التابعي الأحنف بن قيس الذي عرف بفروسيّته وشجاعته، فضلاً عن حلمه.

الأحنف اقتـ.ـص من رجل لطـ.ـمه بيد غيره
من أشهر المواقف التي حدثت مع الأحنف، أنه كان جالساً بين قومه ويتحدث فدخل رجلٌ غريب وقام بلطـ.ـمه، فسأله الأحنف لم فعلت؟ فأجابه أن بعض الأشخاص عرضوا عليه عطاءاً سخياً (10 آلاف درهم) مقابل أن يقوم بضـ.ـرب سيد تميم، ففعل من أجل أن يكسب.
فأجابه الأحنف، أنت لم تفعل شيء، أنا لست سيد تميم، بل سيد تميم هو الحارث بن قدامة (رجل معروف بعدم حلمه وتسرعه)، وذاك هو، فذهب الرجل إلى الحارث ابن قدامة ولطـ.ـمه، فاسـ.ـتل الحارث سيـ.ـفه وقـ.ـطـ.ـع يد الرجل.
ومن قصص الأحنف بن قيس التي تؤكد حلمه، أن حدث له موقف مشابه لقيس بن عاصم، إذ كان لديه جارية تشوي لهم اللحم، وسحبت “السفود” (سيخ شواء اللحم)، ورمته إلى الوراء، فركز في أحد أبناء الأحنف وقتـ.ـلـ.ـه، فثار بيت الأحنف، وكانت الجارية تقف لا تعلم ماذا تصنع، و لما نظر الأحنف إلى الجارية ووجدها خائـ.ـفة، فقال لها “أعتقناك لوجه الله”.
ويحكى أن الأحنف بن قيس كان في جوار النهر بالبصرة في أحد الأيام، فجاء إليه رجل وأخذ يشتـ.ـمه بكثرة، وبعد فترة قصيرة أتت رايات لفرسان من بني تميم، فقال الأحنف للرجل هل انتهيت؟ فقال لا، فقال قل ما تريد بسرعة قبل أن يصل قومي فيأخذوك بما تقول، أما أنا فلا أفعل.
اقرأ أيضاً: اقرأ أيضاً: لاحقه العباسيون سنوات وأسس دولةً استمرت 4 قرون.. “صقر قريش” الذي أرعـ.ـب أبو جعفر المنصور عندما حاول الانقـ.ـلاب عليه
شجاعة الأحنف ابن قيس في عهد عمر بن الخطاب
ومن شجاعة الأحنف، أنه وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان على رأس سرية، وفي أثناء الليل أتاهم جيش العـ.ـدو وهو مقسم لأربعة أقسام، وفي كل قسم يدق طبل، فشعروا أن هناك أربعة جيوش قادمة إليهم.
فركب الأحنف فرسه ومر على الجهات الأربعة التي فيها أصحاب الطبول، وقتـ.لهم جميعاً إلى أن سكن الصوت، ومن المعروف أن أصحاب الطبول يتقدمون الجيوش بمسافات ليست بقصيرة.
وكان الأحنف يقول عن دعاء الرسول له ” هذا من أرجأ عملي عندي” وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعى له، ومن أشهر دعاء للأحنف الذي قال فيه :” اللهم إن تغفر لي فأنت أهلٌ لذاك، وإن تعـ.ـذبنـ.ـي فأنا أهلٌ لذاك”.
لم يسد الأحنف قومه بالحلم في وسامة أو جسامة، فقد كان قصيراً خفيف الشعر ولايرى جيداً بعينه، ورغم أنه يعرف باسم “الأحنف” لأن قدميه فيها عوج فلقب بذلك، لكن اسمه الحقيقي هو “الضحاك ابن قيس”، بل ساد قومه بقوله :”سدت قومي بتركي ما لا يعنيني”.

ومن أشهر ما قاله الأحنف عن الحلم أنه ” أن تصبر على ما تكـ.ـره قليلاً”.
وقيل للأحنف ما أعجب ما رأيت يا أحنف في حياتك، فقال :”عجبت من أناسٍ تكبر أجسادهم وتصغر عقولهم”.
تـ.ـوفى الأحنف في البصرة في سنة 67 في ولاية مصعب ابن الزبير الذي كان من الذين شيّعوا الأحنف، وقال في وقتها “اليوم ذهب الحزم والرأي”.