تم بناؤها 5 مرات.. آخرها في عهد عبد الملك بن مروان.. ما لا تعرفه عن الكعبة و”حِجر اسماعيل “الحطيم” (صور)

تاريخ بناء الكعبة: بنيت 5 مرات، الأولى مختلف عليها، والأخيرة في عهد عبد الملك بن مروان، وما هو الحطيم؟
مدى بوست – فريق التحرير
الكعبة المشرفة هي البيت الحرام، أول بيت وضع في الأرض للعبادة، كما قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}[آل عمران:96- 97].
وهي قبلة المسلمين، ورمزًا من رموز العبادة، قال تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ} [المائدة:97]، وفي الصحيحين من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وُضِع في الأرض أولا؟ قال: “المسجد الحرام” قلت: ثم أي؟ قال: “المسجد الأقصى”، قلت كم بينهما؟ قال: “أربعون سنة” [متفق عليه].
وللكعبة المشرفة تاريخ طويل، مرت فيه بمراحل عديدة، ويبتدأ تاريخها منذ بنائها، حيث إنها قد بنيت في الدهر خمس مرات، نذكرهم تفصيليًا في هذا التقرير.
الكعبة.. سبب التسمية
سُميت بالكعبة لأنها مربعة الشكل، والتكعيب هو التربيع، والكعبة كل بيت مربع الجوانب. وقيل: سميت بذلك لاستدارتها، والتكعب معناه الاستدارة. وقيل: لأجل علوها وارتفاعها، والكعبة من الكعب، والكعب هو كل شيء علا وارتفع، جاء في “أنيس الفقهاء”: “الكعبة: البيت الحرام، يُقال: سميت بذلك لتربيعه، والتربيع جعل الشيء مربَّعًا”.
تاريخ بناء الكعبة
اختلف العلماء اختلافًا كبيرًا في تحديد المرة الأولى التي بنيت فيها الكعبة، فقال البعض أن الملائكة هم أول من بنوا الكعبة، ومنهم من قال إن تاريخ الكعبة يعود إلى زمن آدم عليه السلام؛ فهو أول من بناها، ومنهم مَنْ قال: إن مَنْ بنى الكعبة ولد آدم شيث عليهما السلام.
اتفق العلماء على أن الكعبة المشرفة بنيت 5 مرات، المرة الأولى مختلف عليها، والثانية على يد إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام، والثالثة في عهد قريش، والرابعة على يد عبد الله بن الزبير، والخامسة الموجودة الآن.
المرة الأولى:
المختلف عليها بين العلماء، فقيل بنيت على يد الملائكة، وقيل على يد آدم عليه السلام، وقيل ولده شيث عليه السلام، بينما يرى فريق أن المرة الأولى التي بنيت فيها الكعبة كانت على يد إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام، ولكن هناك دليل ينفي هذا الأمر.
هذه أقوال أربعة في تحديد بداءة تاريخ بناء الكعبة المشرفة، وقد ردَّ بعض المحققين من العلماء الأقوال الثلاثة الأولى؛ لعدم ثبوتها بسند صحيح عن النبي صل الله عليه وسلم، ومنهم الحافظ ابن كثير رحمه الله؛ فقد صرح في تفسيره بأن ذلك من قبيل الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب.
ويُفهم من هذا أن القول الصحيح في المسألة هو أن إبراهيم عليه السلام أول من بنى الكعبة المشرفة؛ لكن ينتج عنه إشكال كبير، وهو أنه ثبت في الحديث الصحيح أن الكعبة بُنيت قبل المسجد الأقصى بأربعين سنة، قال أبو ذر رضي الله عنه كما في صحيحي البخاري ومسلم: قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام». قال: قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى». قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة…».
وقد صحَّ أن الذي بنى المسجد الأقصى هو سليمان عليه السلام؛ حيث روى ابن ماجه بسنده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثا:…”[15]. قال الألباني في صحيح ابن ماجه (1156): (صحيح).
والنبي سليمان في ترتيب الأنبياء قبل الخليل عليهما السلام، وبينهما أكثر من ألف سنة كما بين ذلك كتب التواريخ؛ فهنا إما أن نقول: إن هذه الأحاديث ضعيفة لمخالفتها الواقع الذي بيَّنه القرآن، أو أن نُضَعِّف الثاني منها على أقل الأحوال، أو نقول: إن المراد ببناء إبراهيم عليه السلام هو بناء تجديد، وليس بناء تأسيس، وأما التأسيس للكعبة فقد حصل قبل إبراهيم عليه السلام؛ مما يدل على صحة أحد الأقوال السابقة التي تُبَيِّن أن هناك بناءً للكعبة قبل زمن الخليل عليه السلام.
وبحسب العلماء فإن أقرب رواية للصحة، هي أن الكعبة بنيت على أول الأنبياء، آدم عليه السلام، وذلك لوجود عدة روايات في هذا المعنى، منها ما رواه الأزرقي بسنده عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومنها ما رواه البيهقي بسنده في دلائل النبوة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صل الله عليه وسلم مرفوعًا؛ لكنه ضعيف.
المرة الثانية:
حين أمر الله تعالى نبيه إبراهيم، وولده اسماعيل عليهما السلام ببناء الكعبة، ورفع قواعدها، كما جاء في القرآن الكريم: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [البقرة: 127].
فجعل إسماعيل، عليه السلام، يأتي بالحجارة و إبراهيم، عليه السلام، يبني، وارتفع البيت شيئًا فشيئًا، حتى أصبح عاليًا لا تصل إليه الأيدي، عندها طلب من ابنه إسماعيل – عليه السلام – أن يأتيه بحجر ليصعد عليه ويكمل عمله، واستمرا على ذلك وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [البقرة: 127] .
حتى تم البناء واستوى، قـال الأندقي: لمَّا بنى إبراهيم عليـه السـلام الكعبـة جعل ارتفاع بنائها في السـماء تسـعة أذرع وطولهـا في الأرض ثلاثين ذراعًـا، وعرضـهـا في الأرض اثنتين وعشرين ذراعًا، وكانت غير مسقوفة.
بعد زمن ابراهيم واسماعيل عليهما السلام، استقرت بعض القبائل العربية في مكة من “العماليق” و”جرهم”، وتصدع بناء الكعبة أكثر من مرة نتيجة لكثرة السيول والعوامل المؤثرة في البناء، وكان أفراد تلك القبيلتين يتولون إصلاحها، ورعايتها.
المرة الثالثة:
بناء الكعبة في عهد قريش بعد أن هُدم جزء منها بسبب السيل وكانت فوق القامة وأرادوا تعليتها، فقد كان بابها لاصقًا بالأرض في عهد إبراهيم وعهد جُرْهُم، إلى أن بنتها قريش.
قال أبو حذيفة بن المغيرة: “يا قوم، ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخلها أحد إلا بسلم، فإنه لا يدخلها حينئذٍ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهونه رميتم به فسقط، وصار نكالاً لمن يراه”.
فرفعت بابها وجعلت لها سقفًا، ولم يكن لها سقف، وزادت ارتفاعها كما تقدم. وكان عمر النبي صل الله عليه وسلم إذ ذاك خمسًا وعشرين سنة، وقيل: خمسًا وثلاثين، فحضر البناء، وكان ينقل الحجارة معهم كما ثبت في الصحيح، وتنافست قريش فيمن يضع الحجر الأسود موضعه من الركن، ثم رضوا بأن يضعه النبي صل الله عليه وسلم.
عند بناء الكعبة، اتفقت قريش على أن لا يدخل في بنائها إلا الأموال الطيبة، فلا يدخل فيها مهر بغي ولا حُلوان كاهن ولا مال حصل عليه صاحبه بظلم. وقد قَصُرت بقريش النفقة الحلال عن أن يتموا البناء كله كما كان، ولذا فقد بقي الجزء المسمى حِجْر إسماعيل، ويُقال له الحطيم خارج البناء، ولكنه من الكعبة.
المرة الرابعة:
على يد عبد الله بن الزبير، والسبب في ذلك على ما ذكر السهيلي أن امرأة أرادت أن تجمر الكعبة، فطارت شررة من المجمرة في أستارها فاحترقت، وقيل: طارت شررة من أبي قبيس فوقعت في أستار الكعبة فاحترقت.
فشاور ابن الزبير من حضره في هدمها فهابوا ذلك، وقالوا: نرى أن يصلح ما وَهَى منها ولا تُهدم. فقال: لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل إصلاح، ولا يكمل إصلاحها إلا بهدمها. فهدمها حتى أفضي إلى قواعد إبراهيم، فأمرهم أن يزيدوا في الحفر، فحركوا حجرًا منها فرأوا لجته نارًا وهولاً أفزعهم، فبنوا على القواعد.
قام عبد الله بن الزبير بسترها وقت حفر القواعد، فطاف الناس بتلك الستارة، ولم تخل من طائف، ثم بناها وألصق بابها بالأرض وعمل لها خلفًا، أي بابًا من ورائها، وأدخل الحجر فيها، أي حِجر اسماعيل/ الحطيم.
وسبب إدخاله للحطيم ضمن الكعبة أن خالته عائشة رضي الله عنها حدثته أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: “ألم تر أن قومك قصرت بهم النفقة حين بنوا الكعبة، فاقتصروا على قواعد إبراهيم”، ثم قال: “لولا حدثان قومك بالجاهلية لهدمتها، وجعلت خلفًا، وألصقت بابها بالأرض، وأدخلت فيها الحجر”. فقال ابن الزبير: “فليس بنا عجز عن النفقة، فبناها على مقتضى حديث عائشة”.
المرة الخامسة:
اعتقد عبد الملك بن مروان في عهد خلافته أن عبد الله بن الزبير أدخل الحطيم للكعبة دون دليل صحيح، فقال: لسنا من تخليط أبي خبيب بشيء، يعني عبد الله بن الزبير، فهدمها وأعادها على ما كانت عليه في عهد رسول الله صل الله عليه وسلم إلا في ارتفاعها.
ثم جاء الحارث بن أبي ربيعة المخزومي ومعه رجل آخر، فحدثاه عن عائشة عن رسول الله صلم الله عليه وسلم بالحديث الخاص بقصر النفقة، فندم وجعل ينكث بمخصرة في يده الأرض ويقول: وددت أني تركت أبا خبيب وما تحمل.
وتولى البناء في زمن عبد الملك بن مروان الحجاجُ بن يوسف الثقفي، وهو البناء الخامس الموجود الآن، والذي هدمه الحجاج هو الزيادة وحدها، وأعاد الركنين، وسد الباب الذي فتحه ابن الزبير، وسده بين إلى الآن، وجعل في الحجر من البيت دون سبعة أذرع، وعلامة ذلك في داخل الحجر لوحان مرمر منقوشان متقابلان في الحجر، وصار عرض وجهها -وهو الذي فيه الباب- أربعة وعشرين ذراعًا.
حِجر اسماعيل أو الحِجر أو الحطيم
هو بناء على شكل نصف دائرة من الجهة الشمالية من البيت الحرام، وهو في الأصل جزء من الكعبة، ولكن قريش حين بنت الكعبة لم تفي النفقة الحلال التي رصدتها لأجل البناء.

أدخل كجزء من الكعبة على يد عبد الله الزبير، بناءً على حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: “ألم تر أن قومك قصرت بهم النفقة حين بنوا الكعبة، فاقتصروا على قواعد إبراهيم”، ثم قال: “لولا حدثان قومك بالجاهلية لهدمتها، وجعلت خلفًا، وألصقت بابها بالأرض، وأدخلت فيها الحجر”.
فقال ابن الزبير: “فليس بنا عجز عن النفقة، فبناها على مقتضى حديث عائشة”.
وقام عبد الملك بن مروان بإعادة بناء الكعبة على ما كانت عليه في عهد قريش، ظنًا منه أن عبد الله بن الزبير أدخل الحِجر للكعبة دون دليل صحيح.
يُعد الحجر جزءًا من الكعبة، فلا يجوز لطائف بالبيت في حج أو عمرة أو نفل أن يدخل من حجر إسماعيل ولا يجزئه ذلك لو فعله، لأن الطواف بالبيت والحجر من البيت، لقول الله: وليطوفوا بالبيت العتيق، ولما روته عائشة قالت: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر قال: هو من البيت»، وفي لفظ قالت: «إني نذرت أن أصلي في البيت قال: صلي في الحجر فإن الحجر من البيت».
أما حكم اتجاه القبلة لمن صلى داخل الحجر، فقال العلماء أن ليس كل الحجر الموجود اليوم من الكعبة، بل الذي منها مقدار ستة أذرع، وقد نص عدد من الفقهاء على أن من صلى في الحجر فإنه يستقبل الكعبة ولو صلى إلى غير الكعبة بطلت صلاته.