بدأ مسيرته منشداً دينياً ثمّ خياطاً وحرم ابنيه من الميراث لمعارضتهما الأسد.. عن الفنان رفيق سبيعي الذي اشتهر بدور “القبضاي أبو صياح”

رفيق سبيعي: القبضاي أبو صياح، فنان الشعب الذي والى نظام الأسد، وقطع علاقته بولديه عامر وبشار بسبب دعمهما للثورة السورية
مدى بوست – فريق التحرير
رفيق سبيعي، هو ممثلٌ ومغنٍ ومنولوجست سوري اشتُهر بأداء شخصية أبو صيّاح. بدأ مسيرته الفنية في أواخر الأربعينيات بتقديم العروض الكوميدية، من ثم شارك في العديد من الفرق الفنية مثل فرقة “سعد الدين بقدونس” و “البريوتي” و “محمد علي عبدو” والمسرح الحر.
كان الراحل رفيق سبيعي أحد أبرز الأصوات الحاضرة في مسلسلات إذاعة دمشق، وبرامجها، وسيبقى في الذاكرة طويلًا برنامجه الشهير “حكواتي الفن”، الذي روى فيه لأكثر من عقد بعضًا من أسرار الفن السوري والعربي وكواليسه وذكرياته.
وبعيدًا عن الفن، فسبيعي كان واحدًا من أكبر الموالين لنظام بشار الأسد، وكذلك ابنه الممثل والمخرج سيف الدين سبيعي، أما ولديه الفنان عامر سبيعي والمخرج بشار سبيعي، فكانا من المعارضة وداعمين للثورة السورية، فحرما من الميراث.
نشأة رفيق سبيعي
وُلد رفيق سبيعي في حي البزورية في مدينة دمشق- سوريا في 9 شباط/ فبراير 1930. اهتم سبيعي بحضور المولد النبوي عندما كان في سن الثامنة. وكان يغني الأناشيد الدينية مع المنشدين.
ثم بدأ يغني في أعراس الحي أغاني لكارم عبد العزيز، لكن بسبب نظرة المجتمع للممثل والمغني، رُفض من قبل المجتمع ولم يُنهِ دراسته الابتدائية.
قرر أن يعمل خيّاطًا لمساعدة والده، لكنّه لم ينجح في هذه المهنة، وبعدها بدأ يشارك في نوادي الكشافة وظهرت مواهبه في الغناء والعزف والتمثيل.
بدأت موهبته الفنية في الظهور أواخر 1940 حين بدأ بتقديم العروض الكوميدية على المسرح، من ثم انتقل إلى عدّة فرقٍ مثل فرقة “علي العريس” و”سعد الدين بقدونس” و”عبد اللطيف فتحي” و”البيروتي” و”محمد علي عبدو”. بدأ بتمثيل مسرحيات مثل “بالمقلوب ” و”طاسة الرعبة” و”مرتي قمر صناعي ” و”صابر أفندي”.
بداية رفيق سبيعي الفنية وأعماله التليفزيونية
تعود بدايات رفيق سبيعي كممثل ومونولجيست، لأواخر أربعينيات القرن الماضي، واعتبره الناقد الغنائي السوري، أحمد بوبس، ”رائد الأغنية الناقدة في النصف الثاني من القرن العشرين”.
ساهم سبيعي بتأسيس عدّة فرقٍ مسرحية بعد استقلال سوريا عام 1946، وشارك في عروضٍ شهيرة للمسرح القومي، وكان من أول الوجوه التي ظهرت على التلفزيون السوري منذ تأسيسه مطلع ستينيات القرن الماضي حينما رآه مؤسسه، صباح قبّاني، على أحد مسارح دمشق بشخصية “أبو صياح”، واستدعاه ليبدأ المسيرة التلفزيونية مع الثنائي الفني السوري الشهير (نهاد قلعي ودريد لحّام)، التي أثمرت عن “مقالب غوّار” والعمل الكوميدي الشهير “حمّام الهنا”.
ظهر رفيق سبيعي لأول مرّة على شاشة التلفاز في عام 1960 بشخصية “أبو صيّاح” في مسلسل “مطعم السعادة” مع دريد لحّام ونهاد قلعي. تتالت بعده أعماله التلفزيونية مثل “مبروك” و”عريس الهنا” و”نهاية رجل شجاع” و”الدروب الضيقة” و”ليالي الشرق” و”القناع” و”دمشق يا بسمة الحرن”.
كما كان من نجوم مسلسل “مقالب غوار” في 1967 و”حمام الهنا” في 1968 و”وادي المسك” في 1982 و”الحشاش” في 1991. ولعب دور البطولة في “أيام شامية” عام 1992 و”الطير” في 1998 و”رقصة الحباري” في 2001 و”صراع الزمن” في 2002 و”مرزوق على جميع الجبهات” و”ليالي الصالحية” في 2011.
كان من أبطال “أهل الراية” و”أولاد القيميرية” و”طالع الفضة”. وفي 2012 ظهر في “طاحون الشر” وظهر في “قمر الشام” في 2013 و”بنت الشهبندر” في 2015، كذلك ظهر كضيف شرف في “بقعة ضوء” و”الحصرم الشامي”.
أعمال رفيق سبيعي في المسرح والسينما والمونولوج
كانت مسيرة رفيق سبيعي على المسرح حافلة بالأعمال؛ فقد شارك في مسرحية “أبطال بلدنا” في 1960 ومسرحية “الأشباح” في 1961 و”البرجوازي” في 1962 و”مدرسة الفضائح” في 1963. كما ظهر في 1964 في مسرحية “الاستثناء والقاعدة” و”الأخوة كارامازوف”.
في هذه الفترة شارك أيضًا في مسرحياتٍ مثل “القادم من أمريكا” و”الأب”، وفي 1996 شارك في مسرحية “مات ثلاث مرّات” لحاتم علي، ومسرحية “شو هالحكي” في 2001، التي كان ابنه سيف الدين سبيعي مخرجًا مساعدًا فيها.
كما عمل في مجال الإذاعة، وبدأ في 1954 كمخرجٍ في الإذاعة أخرج العديد من البرامج والمسلسلات والتمثيليات الإذاعية، كما مثّل أيضًا العديد من الأدوار. قدّم برنامج “حكواتي الفن” عبر إذاعة دمشق لمدة 12 سنة، والذي كان من إعداده وإخراجه وكان يتحدث عن المطربين والفنانين العرب.
عُرف رفيق سبيعي بتقديم المونولوج ومن أعماله “يا ولد لفلّك شال” و”شروال أبو صيّاح” و”لا تدوّر ع المال” و”شيش بيش” و”الحب تلات لوان” و”غوول غوول”. وقدّم العديد من الأغاني من خلال الأفلام التي شارك بها مثل “زحليقة وتلج” و”ليش هيك صار معنا ” و”الأوتوستوب” و”ابن العم”. وفي 2016 طرح أغنية “لا تزعلي يا شام”.
أمّا فيما يتعلق بأعماله السينمائية فقد تجاوزت أعماله 55 فيلمًا منها “سفر برلك” في 1966 مع الأخوين رحباني والسيدة فيروز، وفيلم “غرام في اسطنبول” في 1967، و”بنت الحارس ” مع الأخوين رحباني أيضًا في 1971، و”سفاري” و”النصّابين الخمسة” و”السكين” في 1972.
أمّا عام 1973 فقد طُرحت فيه أفلامه مثل “شروال وميني جوب” و”ذكرى ليلة حب” و”هاوي مشاكل” و”الراعية الحسناء”، ولم يخلُ عام 1974 من أعماله السينمائية مثل “نساء للشتاء”.
ظهر في 1976 في أفلام “أيام في لندن” و”غرام المهرج”، ومثّل في 1977 في فيلمين وهما “زواج على الطريقة المحلية” و”القادمون من البحار”. في 1979 مثّل في “شيطان الجزيرة”، وفي 1982 عمل في فيلم من إخراج محمد شاهين وهو “قتل عن طريق التسلسل”. قدم أيضًا فيلم “أحلام المدينة” في 1984 و”فتاة شرقية” في 1985.
انقطع فترةً عن الأعمال السينمائية ليعود في 1992 في فيلم “الليل” من إخراج الليث حجو، من ثم غاب فترة عشر سنوات ليعود في 2002 في أفلام “صندوق الدنيا” و”عشاق” و”الليل الطويل” في 2009 و”سوريون …أهل الشمس” في 2016، وكان إخراج باسل الخطيب.
قدّم رفيق سبيعي عدّة برامج تلفزيونية مثل “ساعي البريد” و”مطعم الأناقة الجوال” في 1961. بعد ذلك قدّم برنامج “حلو الكلام”.
شخصية أبو صياح
اشتهر سبيعي بأداء شخصية “القبضاي” الشامي “أبو صيّاح” الخالدة في أذهان المشاهدين السوريين والعرب، كصورةٍ متكملة لابن البلد، صاحب النخوة والمهابة وخفّة الظل، والتي قال عنها في مقابلةٍ لـCNN بالعربية إنّه استقى مفرداتها من المحيط الذي نشأ فيه بحي “البزورية” الدمشقي، فهو لم يؤدها يومًا “على سبيل التمثيل”، وإنمّا عاشها، ورنين لهجتها كان يتردد في أذهانه منذ الصغر.
ظهرت شخصية أبو صياح للمرة الأولى في عام 1953، حيث كان يعمل سبيعي ملقنًا في فرقة الفنان عبد اللطيف فتحي المسرحية. وفي أحد الأيام جاء الفنان أنور المرابط الذي يؤدي شخصية أبو صياح في المسرحية، ليخبر سبيعي أنه مضطر للتغيب بسبب ظرفٍ ما، طالبًا منه أن يحل محله في أداء الدور.
المسرحية كانت من فصلٍ واحد، وتحمل اسم “قادم من أمريكا”، وقد كانت بداية ظهور الراحل رفيق سبيعي في شخصية أبو صياح، التي استعد لها سبيعي جيدًا، واعتبرها امتحانًا يمهد له الطريق كممثل، ارتدى سبيعي الشروال وباقي الاكسسوارات، ففوجئ به الفنان عبد اللطيف فتحي عندما رآه على المسرح، وجسّد الشخصية على طبيعتها كما تبدو في الحياة، وقتها شاهد أدائه الراحل حكمت محسن، وتنبأ له بالنجومية منذ ذلك الحين.
الفنان عبد اللطيف فتحي أُعجب أداء سبيعي وتجاوب الجمهور معه، فاعتذر للفنان صاحب الشخصية أنور المرابط، ومنح الدور لسبيعي الذي أصبح مرتبطًا بشخصية القبضاي أبو صياح.
الحياة الشخصية للفنان سبيعي
التقى رفيق سبيعي بزوجته في دمشق، وهي من عائلةٍ سورية كانت مقيمة في لبنان، وعملت لفترةٍ في فرقة محمد علي عبدو. رُزق منها بستة أبناء، منهم الفنان عامر سبيعي الذي توفي في عام 2015، وبشار سبيعي وهو مخرج سينمائي، وسيف الدين سبيعي الممثل والمخرج المعروف، وصبا وصباح وهبة أيضًا.
كان الفنان رفيق سبيعي موالي لنظام بشار الأسد، وكذلك ابنه الفنان سيف الدين سبيعي، أما الراحل عامر سبيعي الذي توفي في مستشفيات جمهورية مصر العربية عن عمرٍ يناهز 57 عامًا، فقد كان داعم للثورة السورية، وكذلك شقيقه بشار سبيعي.
يذكر أن المخرج بشار سبيعي تحدث في تصريحات صحفية، نشرتها صحيفة “القدس العربي” في عام 2017، عن حرمانه وعامر من الميراث، بسبب مواقفهم الداعمة للثورة السورية.

وفاة رفيق سبيعي
توفّي رفيق سبيعي في 5 كانون الثاني/ يناير 2017 في دمشق عن عمرٍ ناهز 85 عامًا، بعد صراعٍ مع أمراض الشيخوخة. دُفن في مقبرة باب الصغير بعد أن شيّع جثمانه في جنازةٍ شعبية ٍحاشدة.