جالد الطليان في أكثر من ألف معـ.ـركة.. القصّة الكاملة لأسد الصحراء الشيخ عمر المختار (صور)

”نحن لن نستسلم ننتصر أو نمـ.ـوت” عمر المختار شيخ المجاهـ.ـدين وأسد الصحراء الذي علم العالم أجمع كيف يكون الجهـ.ـاد ضد العدو (صور)
مدى بوست – فريق التحرير
عمر المختار اسم له وزن في تاريخ النضال العربي ضد المحتلين، أيقونة خلدتها الذاكرة العربية والعالمية أيضًا، مقاوم ليبي حـ.ـارب القوَّات الإيطالية منذ دخولها أرض ليبيا حتى عام (1350هـ= 1931م).
لُقب عمر المختار بعددٍ من الألقاب، رغم أن الألقاب جميعها لا توفيه قدره، فهو أسد الصحراء، وشيخ المجـ.ـاهدين، وشيخ الشهـ.ـداء، الذي أرق الاحتـ.ـلال الإيطالي، عندما كان قائد أدوار (معسكرات) السنوسية بالجبل الأخضر.
جالد المختار الإيطاليين وهو يبلغ من العمر 53 عامًا لأكثر من عشرين عامًا في أكثر من ألف معـ.ـركة، واستـ.ـشهد بإعدامـ.ـه شنـ.ـقًا عن عمر يُناهز 73 عامًا، وقد صرَّح القائد الإيطالي «أن المعـ.ـارك التي حَصَلَتْ بين جيـ.ـوشه وبين السيد عمر المختار 263 معـ.ـركة، في مدَّة لا تتجاوز 20 شهرًا فقط».
نسب ومولد ونشأة عمر المختار
ولد عمر بن المختار بن عمر المنفي عام 1862 في قرية جنزور (منطقة الجبل الأخضر ببرقة) شرقي ليبيا لأسرة تنتمي إلى قبيلة ”المنفة”.
نشأ وترعرع في بيت يلتزم التقاليد العربية والإسلامية وينتمي إلى تعاليم الحركة السنوسية القائمة على كتاب الله وسنّة رسوله.
توفّى والد عمر المختار مُبكرًا في مكّة أثناء تأدية فريضة الحج، وأثناء مرضه أوصى للشيخ حسين الغرياني (شيخ زاوية جنزور الواقعة شرق طبرق) أن يتعهّد بتربية ولديه عمر ومحمّد، وتولّى الشيخ الغرياني رعايتهما، وأدخلهما مدرسة القرآن الكريم في الزاوية، ثم ألحق عمر المختار بالمعهد الجغبوب الديني لينضمّ إلى طلبة العِلم من أبناء القبائل.
مكث في معهد الجغبوب ثمانية أعوام ينهل من العلوم الشرعية المتنوعة كالفقه والحديث والتفسير، ومن أشهر شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم، السيد الزروالي المغربي، والسيد الجواني، والعلامة فالح بن محمد بن عبدالله الظاهري المدني، وغيرهم كثير.
وشهد المعلمين والشيوخ لعمر المختار بالنباهة ورجاحة العقل، ومتانة الخلق، وحب الدعوة، وكان يقوم بما عليه من واجبات عملية أسوة بزملائه الذين يؤدون أعمالاً مماثلة في ساعات معينة إلى جانب طلب العلم، وكان مخلصًا في عمله متفانيًا في أداء ما عليه، ولم يعرف عنه زملاؤه أنه أجَّل عمل يومه إلى غده.
تربى عمر المختار منذ صغره على مبادئ الدعوة السنوسية ذات المنزع العلمي، وهو القائل في ولائه لها: “إن قيمتي في بلادي -إذا ما كانت لي قيمة أنا وأمثالي- مستمدة من السنوسية”.
عمر المختار معلمًا
ظهرت علامات النجابة ورزانة العقل على الشيخ عمر المختار، فبرع في علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب.
كما استحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه السيد المهدي السنوسي؛ مما زاده رفعة وسموًّا، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن.
قال السيد المهدي واصفًا عمر المختار: «لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم». ولثقة السنوسيين به وَلَّوْهُ شيخًا على زاوية القصور بالجبل الأخضر عام 1897.
اختاره السيد المهدي السنوسي رفيقًا له إلى تشاد عند انتقال قيادة الزاوية السنوسية إليها، فسافر سنة (1317هـ= 1899م)، ثم عُين شيخا لزاوية عين كلكة هناك فساعد في نشر تعاليم الإسلام بتلك المناطق، ثم عاد إلى الجبل الأخضر سنة 1906 فتولى مجددا مشيخة “زاوية القصور”.
عمر المختار مجـ.ـاهدًا
شارك عمر المختار أثناء وجوده بتشاد في المعـ.ـارك التي خاضتها كتائب السنوسية 1899-1902 ضد الفرنسيين الذين احتلوا المنطقة، وكانت لا تزال وقتذاك ضمن الأراضي الليبية. وفي سنة 1908 دُعي للمشاركة في المعارك بين السنوسيين والقوات البريطانية على الحدود الليبية المصرية.
وفي 29 سبتمبر/أيلول 1911 أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية التي كانت ليبيا حينذاك جزءا منها، وبدأت السفن الحربية تقصف مدن الساحل الليبي. وفي تلك الأثناء كان عمر المختار مقيمًا في جالو بعد عودته من الكفرة؛ حيث قابل السيد أحمد الشريف، وعندما علم بالغزو الإيطالي -فيما عُرف بالحـ.ـرب العثمانية الإيطالية- سارع إلى مراكز تجمُّع المجـ.ـاهدين؛ حيث ساهم في تأسيس وتنظيم حركة الجـ.ـهاد والمقـ.ـاومة.
شارك عمر المخـتار في معـ.ـركة السلاوي أواخر 1911. وتولى قيادة “المجلس الأعلى” للعمليات الجهـ.ـادية الذى أدار أعظم المعـ.ـارك في التاريخ الليبي مع المحتلين الإيطاليين، خاصة بعد انسحاب الأتراك من البلاد 1912 بموجب معاهدة لوزان التي تخلوا فيها لإيطاليا عن ليبيا.
جهـ.ـاد عمر المخـتار ضد الاحتـ.ـلال الإيطالي
ظل عمر المختار يقاتل الإيطاليين في ليبيا قرابة 20 عامًا، ملحقًا بهم هزائم مريرة، حيث حصد أرواح مئات الضباط والجنود في مئات المعارك، ومنها معركة يوم الجمعة عند درنة في (9 من جمادى الآخرة 1331هـ= 16 من مايو 1913م)، حيث قُتل فيها للإيطاليين عشرة ضباط وستون جنديًّا وأربعمائة فرد بين جريح ومفقود، وذلك إلى جانب انسحاب الإيطاليين بلا نظام تاركين أسلحتهم ومؤنهم وذخائرهم.
كما دارت في 6 تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه معركة “بو شمال” في منطقة عين مارة، وفي فبراير عام 1914 معارك “أمّ شخنب” و”شلظيمة” و”الزويتينة”، كان خلالها المختار يتنقّل بين جبهات القتال ويقود المعارك.
ومن أشهر المعارك التي قادها المختار، هي معركة يوم الرحيبة في شرق ليبيا، في 28 آذار/ مارس 1927.وهي من أكثر المعارك التي حصدت فيها إيطاليا خسائر فادحة وانفضح أمرها في روما وبات المختار شبحًا يتمنّى جميع الإيطاليين الوصول إليه، ورصدت جائزة مالية بلغت قيمتها 200.000 فرنك لمَن يأتي بالقائد عمر المختار ويقوم بتسليمه إلى الإيطاليين.
عمر المختار في أسر الإيطاليين
في معـ.ـركة السانية في شهر أكتوبر عام 1930م سقطت من الشيخ عمر المختار نظارته، وعندما وجدها أحد جنود الإيطاليين أوصلها إلى قيادته، فرآها غرتسياني فقال: «الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يومًا ما».
وفي 28 من ربيع الآخر 1350 هـ= 11 سبتمبر 1931م، وبينما كان الشيخ عمر المختار يستطلع منطقة سلنطة في الجبل الأخضر في كوكبة من فرسانه، عرفت الحاميات الإيطالية بمكانه فأرسلت قوَّاتٍ لحصاره، ولحقها تعزيزات، واشتـ.ـبك الفريقان في وادي بوطاقة ورجحت الكِفَّة للعـ.ـدوِّ.
أمر عمر المختار بفكِّ الطوق والتفرُّق، ولكن قُتـ.ـلت فرسه تحته، وسقـ.ـطـت على يده ممَّا شـ.ـلَّ حركته نهائيًّا، فلم يتمكَّن من تخليص نفسه، ولم يستطع تناول بندقيته ليُدَافع عن نفسه، فسرعان ما حـ.ـاصره العـ.ـدوُّ من كلِّ الجهات وتعرَّفُوا على شخصيَّته، فنُقل على الفور إلى مرسى سوسة في الجبل الأخضر؛ ومن ثَمَّ وُضع على طَرَّادٍ (نوع من السفن الحـ.ـربية السريعة) نَقَلَهُ رأسًا إلى بنغازي، حيث أُودع السجـ.ـن الكبير بمنطقة سيدي أخريبيش، ولم يستطع الطليان نقل الشيخ برًّا لخـ.ـوفهم من تعـ.ـرُّض المجاهدين لهم في محاولة لتخليص قائدهم.
محاكمة عمر المختار
عُقدت للشيخ الشهيد محكمة هـ.ـزلية صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي، مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 من سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديدًا صدر منطوق الحكم بالإعـ.ـدام شنـ.ـقًا حتى المـ.ـوت.
عندما تُرجم له الحُكْم، قال الشيخ: «إن الحكم إلَّا لله.. لا حكمكم المزيف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون».
إعـ.ـدام عمر المخـتار
في صباح اليوم التالي للمحاكمة الأربعاء (16 سبتمبر 1931م= غُرَّة جمادى الأولى 1350 هـ)، اتخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحُكم بإحضار جميع أقسام الجيـ.ـش والميليـ.ـشيا والطيران، وأُحضر 20 ألفًا من الأهالي وجميع المعتـ.ـقلـ.ـين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة؛ وذلك لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم، وأُحضر الشيخ عمر المخـتار مُكَبَّـ.ـل الأيدي، وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر، وبدأت الطائرات تُحَلِّق في السماء فوق المعتـ.ـقـ.ـلين بأزيزٍ مجلجلٍ؛ حتى لا يتمكَّن عمر المختار من مخاطبتهم.
سجل التاريخ كلماته الأخيرة قبيل إعـ.ـد امه عندما قال للضابط الإيطالي الذي كان يحقق معه: “نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نمـ.ـوت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحـ.ـار بوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شـ.ـانـ.ـقي”.