عبد القادر الجزائري: الأمير الذي أسس الدولة الجزائرية الحديثة.. أرهق فرنسا ولم تكسر شوكته إلا الخيانة! (صور)

عبد القادر الجزائري: الأمير المجاهد مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، قاوم الاحتلال الفرنسي ولم تكسر شوكته إلا الخيانة! (صور)
مدى بوست – فريق التحرير
الأمير عبد القادر بن محي الدين المعروف بـ عبد القادر الجزائري هو كاتب وشاعر وفيلسوف وسياسي وفارس، اشتهر بمناهضته للاحتلال الفرنسي للجزائر. قاد نضالاً كبيراً ضد الاحتلال الفرنسي للدفاع عن الوطن وبعدها نفي إلى دمشق وتوفي فيها يوم 26 مايو 1883.
الأمير عبد القادر الجزائري رائد سياسي وعسكري مقاوم قاد مقاومة شعبية خمسة عشر عامًا أثناء غزو فرنسا للجزائر، هو أيضًا مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ورمز للمقاومة الجزائرية ضد الاستعمار والاضطهاد الفرنسي.
عاش الأمير عبد القادر الجزائري في فترة حساسة من تاريخ الأمة الإسلامية بعامة، وتاريخ الجزائر بخاصة، وكان له فيها تأثير كبير، بايعه الجزائريين أميرًا عليهم وذلك بعد مرور عامين على الاحتلال الفرنسي للجزائر، يبلغ الخامسة والعشرين من عمره آنذاك، وتمت البيعة له بعد اعتذار والده عن الإمارة واقتراح نجله بدلا منه.

نسب عبد القادر الجزائري
ولد الأمير عبد القادر الجزائري بقرية القيطنة بوادي الحمام من منطقة معسكر بالجزائر، يوم الثلاثاء 6 سبتمبر 1808 الموافق لـ 15 رجب 1223 هـ. ثم انتقل والده إلى مدينة وهران.
وهو الأمير عبد القادر بن الأمير محيي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار بن عبد القادر بن أحمد بن محمد بن عبد القوي بن يوسف بن أحمد بن شعبان بن محمد بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله (الكامل) بن الحسن (المثنى) بن الحسن (السبط) بن فاطمة بنت محمد رسول الله صل الله عليه وسلم، وزوجة علي بن أبي طالب ابن عمِّ الرسول الكريم، يرجع أصله إلى الأدارسة الذين حكموا المغرب في القرن التاسع.
كان عبد القادر الابن الثالث لمحي الدين (سيدي محي الدين): شيخ الطريقة الصوفية القادرية ومؤلف “كتاب ارشاد المريدين” الموجه للمبتدئين. وأمه الزهرة بنت الشيخ سيدي بو دومة شيخ زاوية حمام بو حجر وكانت سيدة مثقفة.
نشأة عبد القادر الجزائري
تلقى الأمير عبد القادر الجزائري دروسه الابتدائية في مسقط رأسه تحت إشراف والده؛ وختم القرآن الكريم قبل أن يبلغ الحادية عشرة، وتعلم مبادئ شتى العلوم اللغوية والشرعية، ونال درجة الطالب، وكلف بتحفيظ القرآن للأطفال، وإلقاء الدروس والتفسير في الزاوية.
من أجل إتمام دراسته سافر عام (1821م) إلى مدينة أرزيو الساحلية؛ التي تقع شمال مدينة معسكر، على بعد حوالي سبعين كيلو متراً، وذلك على يد القاضي الشيخ أحمد بن الطاهر البطيوي؛ الذي كان مشهورًا بغزارة العلم وسعة الاطلاع، وبعدها رحل إلى مدينة وهران إلى مدرسة العالم الفقيه أحمد بن خوجة، صاحب رائعة در الأعيان في أخبار وهران، وتوسع في المعارف اللغوية والفقهية والنحو والبيان والفلسفة والمنطق وصقل ملكاته الأدبية والشعرية، واجتهد في حضور حلقات العلم لعلماء وهران، مثل الشيخ مصطفى الهاشمي والشيخ بن نقريد، وقضى عامين كاملين في هذه الرحلة العلمية، وعاد إلى مسقط رأسه وتزوج بابنة عمه الآنسة خيرة بنت أبي طالب عام (1823م) وأقام في القيطنة معلمًا.
اصطدم والده محي الدين بحاكم مدينة وهران، فوضعه تحت الإقامة الجبرية في بيته، وفي عام 1825 سمح له بأداء فريضة الحج فخرج وابنه عبد القادر. فكانت رحلة الأمير عبد القادر إلى تونس ثم مصر ثم الحجاز ثم البلاد الشامية ثم بغداد، ثم إلى الحجاز، ثم العودة إلى الجزائر مارًّا بمصر وبرقة وطرابلس ثم تونس، وأخيرًا إلى الجزائر من جديد عام (1243هـ= 1828م).
كانت تلك الرحلة رحلة تَعَلُّم ومشاهدة ومعايشة للوطن العربي في هذه الفترة من تاريخه، وما لبث الوالد وابنه أن استقرَّا في قريتهم القيطنة، ولم يمضِ وقت طويل حتى تعرَّضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، وتمكَّنت فرنسا من احتلال العاصمة فعلًا في (المحرم 1246هـ= 5 من يوليو 1830م)، واستسلم الحاكم العثماني سريعًا، ولكنَّ الشعب الجزائري لم يفعل.
مبايعة الأمير عبد القادر الجزائري للجهـ.ـاد ضد الاحتلال الفرنسي
أراد زعماء وعلماء الجزائر توحيد الصف والراية تحت قيادة أميرٍ واحد، فاستقرَّ الرأي على محيي الدين الحسني (والد الأمير عبد القادر الجزائري)، وعرضوا عليه الأمر، ولكنَّ الرجل اعتذر عن الإمارة وقَبِلَ قيادة الجهاد، فأرسلوا إلى صاحب المغرب الأقصى ليكونوا تحت إمارته، فقَبِلَ السلطان عبد الرحمن بن هشام سلطان المغرب، وأرسل ابن عمِّه علي بن سليمان ليكون أميرًا على وهران، وقَبْلَ أن تستقرَّ الأمور تدخَّلت فرنسا مُهَدِّدة السلطان بالحرب، فانسحب السلطان واستدعى ابن عمِّه؛ ليعود الوضع إلى نقطة الصفر من جديد.
ولمَّا كان محيي الدين قد رضي بمسئولية القيادة العسكرية، فقد التَفَّتْ حوله الجموع من جديد، وخاصَّة أنه حقَّق عدَّة انتصارات على العدوِّ، وقد كان عبد القادر على رأس الجيش في كثير من هذه الانتصارات، فاقترح الوالد أن يتقدَّم عبدُ القادر الجزائري لهذا المنصب، فقبل الحاضرون، وقَبِلَ الشاب تحمُّل هذه المسئولية، وتمَّت البيعة، ولَقَّبه والده بـناصر الدين، واقترحوا عليه أن يكون سلطانًا، ولكنَّه اختار لقب الأمير، وبذلك خرج إلى الوجود الأمير عبد القادر ناصر الدين بن محيي الدين الحسني، وكان ذلك في (13 من رجب 1248هـ= 20 من نوفمبر 1832م).
وعقب مبايعة الجزائريين له عام 1832 اتخذ الأمير عبد القادر الجزائري من مدينة المعسكر عاصمة له، وبدأ في تكوين الجيش والدولة وحقق انتصارات ضد الفرنسيين. اضطرت فرنسا إلى عقد اتفاقية هدنة مع الأمير عبد القادر؛ وهي اتفاقية «دي ميشيل» في عام (1250هـ= 1834م)، وبهذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد القادر؛ وبذلك بدأ الأمير عبد القادر في الاتِّجاه إلى أحوال البلاد يُنَظِّم شئونها ويُعَمِّرها ويُطَوِّرها، وقد نجح الأمير في تأمين بلاده جيدًا.
الأمير عبد القادر الجزائري ومقاومة الاحتلال الفرنسي
قبل أن يمرَّ عام على اتفاقية «دي ميشيل» نقض القائد الفرنسي الهدنة، وناصره في هذه المرَّة بعض القبائل في مواجهة الأمير عبد القادر، ونادى الأمير في قومه بالجهاد، ونَظَّم الجميع صفوف القـ.ـتـ.ـال، وكانت المـ.ـعـ.ـارك الأولى رسالة قوية لفرنسا؛ وخاصَّة موقعة «المقطع»؛ حيث نزلت بالقوات الفرنسية هزائم قضت على قوَّتها الضاربة تحت قيادة تريزيل الحاكم الفرنسي.
بعد سجالٍ طويل مع الفرنسيين، استطاع الجزائري تحقيق مجموعة من الانتصارات، دفعت فرنسا إلى تغيير القيادة من جديد؛ ليأتي القائد الفرنسي الماكر الجنرال بيجو؛ ولكنَّ الأمير نجح في إحراز نصر على القائد الجديد في منطقة وادي تافنة، أجبر القائد الفرنسي على عقد معاهدة هدنة جديدة؛ عُرفت باسم معاهد تافنة في عام (1243هـ= 1837م).
بداية حـ.ـرب العصـ.ـابات ما بين الأمير عبد القادر الجزائري والفرنسيين
كرر الفرنسيون خرق الهدنة، ونهجوا هذه المرة سياسة “الأرض المحروقة” باستعمال أساليب وحشـ.ـية في قتـ.ـل الأطفال والنساء والشيوخ وحـ.ـرق المدن والقرى المساندة له. استطاع القائد الفرنسي أن يُحَقِّق عدَّة انتصارات على الأمير عبد القادر، فاضطر الأمير إلى اللجوء إلى بلاد المغرب الأقصى، فهَدَّد الفرنسيون السلطان المغربي، فلم يستجب السلطان لتهديدهم في أوَّل الأمر، وساند الأمير في حركته من أجل استرداد وطنه، ولكنَّ الفرنسيين ضربوا طنجة وموغادور بالقنابل من البحر، وتحت وطأة الهجوم الفرنسي يضطر السلطان إلى توقيع معاهدة الحماية، التي سبقت احتلال المغرب الأقصى.
بدأ الأمير عبد القادر حـ.ــرب عصـ.ـابات ما بينه وبين الفرنسيين، وحاول الاستعانة بشيوخ الطريقة التيجانيَّة في طرد الفرنسيين، رفضوا الانخراط في جيشه، تمشِّيًا مع رُوح صوفيَّتِهم التي تأبى التدخُّل في السياسة.
في النهاية، هُزم الأمير عبد القادر بالخيانة شأن كل معارك المقاومة في العالم الإسلامي، فهاجمته العساكر المراكشيَّة من خلفه، فرأى من الصواب الجنوح للسلم، وشاور أعيان المجاهدين على ذلك، وأَسَرَهُ المحتلُّون سنة (1263هـ= 1847م) وأرسلوه إلى فرنسا.
نفي عبد القادر الجزائري
ظلَّ الأمير عبد القادر في سجون فرنسا يعاني من الإهانة والتضييق حتى عام (1268هـ= 1852م)، ثم استدعاه نابليون الثالث بعد تولِّيه الحكم، وأكرم نزله، وأقام له المآدب الفاخرة ليُقَابِلَ وزراء ووجهاء فرنسا، ويتناول الأميرُ الحديث في كافَّةَ الشئون السياسية والعسكرية والعلمية؛ ممَّا أثار إعجاب الجميع بذكائه وخبرته، ودُعي الأمير لكي يتَّخذ من فرنسا وطنًا ثانيًا له، ولكنه رفض، ورحل إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية.
توقَّف في إسطنبول حيث السلطان عبد المجيد، والتقى فيها بسفراء الدول الأجنبية، ثم استقرَّ به المقام في دمشق منذ عام (1272هـ= 1856م)، وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء والعلماء، وقام بالتدريس في المسجد الأموي، كما قام بالتدريس قبل ذلك في المدرسة الأشرفية، وفي المدرسة الحقيقية.
وفي عام (1276هـ= 1860م) تتحرَّك شرارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في منطقة الشام، ويكون للأمير دور فعَّال في حماية أكثر من 15 ألفًا من المسيحيين؛ إذ استضافهم في منازله، وعمل على احتواء الفتنة المشتعلة.
وفاة عبد القادر الجزائري
وافاه الأجل في دمشق في منتصف ليلة (19 من رجب 1300هـ= 26 مايو 1883م) عن عمر يُناهز 76 عامًا، وقد دُفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية بدمشق لوصية تركها.
وبعد استقلال الجزائر نُقِلَ جثمانه إلى الجزائر عام (1385هـ= 1965م)، ودُفن في المقبرة العليا، وهي المقبرة التي لا يُدفن فيها إلَّا رؤساء البلاد.
تلمسان تلمسان تلمسان