حفظ القرآن وعمل مؤذنًا قصة المطرب السوري صباح فخري قلعة حلب الثانية الذي دخل موسوعة غينيس (صور/ فيديو)

حفظ القرآن وعمل مؤذنًا واكتشفت أسرته جمال صوته وعمره شهر، قصة المطرب السوري صباح فخري قلعة حلب الثانية الذي دخل موسوعة غينيس (صور/ فيديو)
مدى بوست – فريق التحرير
صباح فخري مطرب سوري شهير، من مشاهير الطرب في الوطن العربي والعالم، وأحد أيقونات الموسيقى الشرقية الخالدة، حافظ على شكلٍ من أشكال الموسيقى العربية كاد أن يندثر، وهو فن الموشحات والقدود الحلبية.
يتمتع صباح فخـري بصوتٍ قوي بطريقةٍ استثنائية، ويتميز بأدائه الذي لا تشوبه شائبة للمقامات وألحانها، وقد استطاع أن يدخل موسوعة غينس للأرقام القياسية، عندما غنى لمدة 10 ساعاتٍ متواصلة في مدينة كاراكاس بفنزويلا، عام 1968.
إلى جانب عطائه الفني، شغل فخري عددًا من المناصب الهامة، مثل: نقيب الفنانين السوريين لأكثر من مرة، نائب رئيس اتحاد الفنانين العرب، عضو في مجلس الشعب السوري في دورته التشريعية السابعة لعام 1998.
نشأة صباح فخري
ولد صباح الدين أبو قوس، الشهير بـ صباح فخري في يوم 2 أيار عام 1933، في مدينة حلب السورية أحد أهمّ مراكز الموسيقى الشرقية العربية.
تقول الكاتبة السورية شذا نصار، التي جمعت سيرة صباح فخري في كتاب حمل اسم “صباح فخري: سيرة وتراث”، أن عائلته اكتشفت صوته لأول مرة عندما كان رضيعًا، ويقول فخري إنَّه لدى ولادته وفي عمر الشهر الواحد كان أحد أقربائه يتعمد إيقاظه عبر “قرصه” لأنَّه يحب سماع صوته حتى وهو يبكي فقد كانت لديه نغمة خاصة في البكاء.
نشأ الفنان صباح فخـري في حارة الأعجام داخل قرية القصيلة بأحد أحياء حلب القديمة، وكان محاطًا بمجموعة من شيوخ الطرب والمنشدين وقارئي القرآن.
تمكن فخري من حفظ القرآن في سن مبكرة، وبدأ تلاوة سوره في جوامع حلب وحلقات النقشبندية، وكانت أول تمارينه مع الشيخ بكري الكردي أحد أبرز مشايخ الموسيقى.
ظهرت موهبته في العقد الأول من عمره، ودرس الغناء والموسيقى مع دراسته العامة في تلك السن المبكرة في معهد حلب للموسيقى وبعد ذلك في معهد دمشق، تخرّج من المعهد الموسيقي الشرقي عام 1948 بدمشق.
درس فخري الموشّحات والإيقاعات ورقص السماح والقصائد والأدوار والصولفيج والعزف على العود ومن أساتذته أعلام الموسيقى العربية كبار الموسيقيون السوريون، مثل: الشيخ علي الدرويش والشيخ عمر البطش ومجدي العقيلي ونديم وإبراهيم الدرويش ومحمد رجب وعزيز غنّام.
كان صباح فخـري في شبابه موظفًا بأوقاف حلب ومؤذنًا في جامع الروضة هناك، ثم تعهده الفنان سامي الشوا لاحقًا بالرعاية، فغير اسم “صباح الدين أبو قوس” إلى “محمد صباح” واصطحبه معه في جولات غنائية بالمحافظات السورية.
لم يكد محمد صباح يبلغ الـ12 من عمره حتى وجد نفسه يغني في حضرة رئيس الجمهورية السورية آنذاك “شكري القوتلي” خلال زيارته إلى حلب عام 1946. وقد رفض محمد صباح عرضًا بالسفر إلى مصر لصقل موهبته وفضّل البقاء في دمشق والغناء عبر إذاعتها الرسمية.
تعهده بالرعاية بعد ذلك، السياسي المخضرم النائب فخري البارودي، الذي أسس معهدًا للموسيقى في مدينة دمشق، وقرر تبني موهبة الفنان الناشئ محمد صباح، ثم قام بتغيير اسمه إلى “صباح فخري”.
عبر مساعدة موسيقية من الفنان عمر البطش وضع صباح فخري أولى تجاربه في التلحين عن عمر لم يناهز 14 عامًا وكانت أنشودة “يا رايحين لبيت الله، مع السلامة وألف سلام، مبروك عليك يا عبدالله، يا قاصد كعبة الإسلام”.
الحياة الشخصية للمطرب صباح فخري
أطلق عليه اسم صباح الدين، لأن والدته أنجبته في الصباح الباكر، وكانت تتمنى لو أنها وضعت أنثى. أباهُ محمد مقرئ، مدرّس للقرآن الكريم ومنشد صوفيّ.
تزوج والد صباح فخري من أربعِ نساءٍ، الزوجة الأولى أنجبت له ولدين وبنت وتوفيت، ثم تزوّج من والدة الفنان صباح فخري التي أنجبت أربعة شبان وبنت، كان صباح أصغرهم، ثم تزوّج الزوجة الثالثة وأنجب منها ابنًا، أما الزوجة الرابعة فلم ينجب منها أولادًا.
أما الفنان صباح فخري، فقد تزوج مرتين، الزوجة الأولى أنجبت له ثلاثة أولاد، هم: محمد وعمر وطريف؛ ثم توفيت، أما زوجته الثانية فأنجبت له ابنًا واحدًا هو المطرب السوري أنس فخري.
أعمال صباح فخري
غنى فخري العديد من أغاني حلب التقليدية، والمأخوذة كلماتها من قصائد أبو فراس الحمداني والمتنبي وشعراء آخرين. كما لحّن وغنى لشعراء معاصرين مثل: فؤاد اليازجي، أنطوان شعراوي، د. جلال الدهّان، د. عبد العزيز محي الدين الخوجة، عبد الباسط الصوفي، عبد الرحيم محمود ،فيض الله الغادرين، عبد الكريم الحيدري.
من أشهر أغانيه: يا حادي العيس، ومالك يا حلوة مالك، وخمرة الحب، ويا طيرة طيري، وفوق النا خل، وقدك المياس، ويا مال الشام، وموشحات، يا شادي الألحان، وابعتلي جواب، وآه يا حلو.
من أعماله السينمائية فيلم “الوادي الكبير” مع المطربة وردة الجزائرية، كما شارك في فيلم “الصعاليك” عام 1965 مع عددٍ من الممثلين مثل دريد لحام ومريم فخر الدين.
من برامجه التلفزيونية “أسماء الله الحسنى” مع عبد الرحمن آل رشي ومنى واصف وزيناتي قدسية، ومسلسل “نغم الأمس” مع رفيق سبيعي وصباح الجزائري حيث سجل ووثق ما يقارب 160 لحنًا ما بين أغنية وقصيدة ودور وموشح وموال وقد حفاظًا على التراث الموسيقي العربي الذي تنفرد فيه حلب.
لحن صباح فخري وغنى قصائد عربية جيدة لأبي الطيب المتنبي وأبي فراس الحمداني ومسكين الدارمي، كما غنى لابن الفارض والرواس وابن زيدون وابن زهر الأندلسي ولسان الدين الخطيب. كما لحن لشعراء معاصرين مثل فؤاد اليازجي وأنطوان شعراوي وجلال الدهان وعبد العزيز محي الدين الخوجة وعبد الباسط الصوفي. وغنى في كثيرٍ من المهرجانات العربية والدولية.
ألقاب صباح فخري
أُطلقت على الفنّان صباح فخـري ألقابٌ كثيرة خلال مسيرته الفنّيّة الرّائدة، منها لقب (أبو كلثوم) عام 1948 عندما اشترك مع المطربة نجاة الصّغيرة في حفل بمدينة دمشق، ولُقب (أمير الطّرب)، ثم (سلطان الطّرب)، إضافةً لألقاب (العندليب)، و(الكروان)، و(ملك الغناء)، و(ملك الطّرب والفنّ الأصيل)، و(صنّاجة الغناء العربي)، و(الحارس الأمين للطّرب العربي) و(بلبل الشّرق).
وفي عام 2019، قامت الكاتبة السورية شذا نصار، بجمع سيرة حياة المطرب السوري صباح فخري، في كتاب بعنوان “صباح فخري سيرة وتراث”، ولقبت الفنان في كتابها بـ قلعة حلب الثانية. يقع الكتاب في 335 صفحة من القطع الكبير الملون والصادر عن دار هاشيت أنطوان في بيروت.
معهد صباح فخري للموسيقى والغناء
أسس المطرب صباح فخري، معهدًا فنيًا في مدينة حلب، كنوعٍ من التأسيس لفنٍ راق يواجه انحطاط الفن العربي في السنوات الأخيرة. المعهد حمل اسم “معهد صباح فخري للموسيقى والغناء”، وهو الأول من نوعه لجهة طريقة التدريس، وتعليم اللغة العربية والتجويد.
يتحدث فخري عن المعهد في أحد اللقاءات فيقول: “المعهد يعلم الغناء والموسيقى بطريقة جديدة تعتمد على تربية المطرب وصوته مدة ثلاث سنوات، بصرف النظر عن العمر أو الشهادة، وفي نهاية الدراسة سيقيم مهرجانًا للأصوات الجديدة، المعهد الجديد سوف يكون ملاذًا لحماية التراث الغنائي الأصيل بقصد الحفاظ عليه من جهة، وتطويره من جهة ثانية لمواجهة الصراعات الغنائية الوافدة”.