سبق الزمن بألحانه وأصابه مرض نادر.. قصة الفنان محمد فوزي وأهم محطات حياته

سبق الزمن بألحانه وأصابه مرض نادر.. قصة الفنان محمد فوزي وأهم محطات حياته
مدى بوست – فريق التحرير
مطربٌ وملحنٌ ومنتجٌ وممثلٌ مصري له العديد من الألقاب أشهرها “كازانوفا الشرق”، فهو واحد من أشهرِ المطربين والملحنين المصريين في القرن العشرين.
لحّن لأشهرِ مطربي زمنه، وتركَ بصمته الخاصة في الأغنيةِ العربيةِ، كما أنه ثار على الموسيقى واستطاع المساهمة في إحداث فرق في الحياة الفنية وخصوصاً في مجال الغناء وإنتاج وطباعة الاسطوانات الغنائية، حيث أسس أول شركة تقوم بطباعة وإنتاج الاسطوانات بعدما كان لا يتم ذلك إلا من خلال السفر إلى باريس أو اليونان.
ولم يتوقف فنه على الغناء فقط، حيث مثّلَ في العديدِ من المسرحيات التي كانت سببًا في انطلاقته. ولم تخلو حياته من المفارقات المؤلمة حيث أجبِرَ على الاعتزال، وحتى رحيله عن عالمنا كان درامياً بعد صراع مرير مع مرض نادر. إنه سابق عصره الفنان محمد فوزي.
من هو محمد فوزي
هو محمد فوزي عبدالعال حبس الحاو والشهير بالاسم الفني محمد فوزي. من مواليد برج العذراء حيث وُلد في 28 من شهر أغسطس عام 1918 في قرية كفر أبو جندي التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية. هو الابن الحادي والعشرون من أصل 25 ابنًا لوالديه، منهم المطربة والممثلة هدى سلطان.
تخرج محمد فوزي من مدرسة طنطا الابتدائية في طنطا عام 1913 لتظهر ميوله للموسيقى و الغناء بشكل واضح، ولقد تعلم محمد فوزي أصول الموسيقى على يد جندي إطفاء يدعى محمد الخربتلى، وكان يصطحبه للغناء في الموالد وحفلات الأعراس. ليقرر بعدها أن يتبع شغفه فانتسب لمعهد فؤاد الأول للموسيقى لكنه لم يكمل دراسته فيه.
بداية تائهة
قرر محمد فوزي الرحيل إلى القاهرة عام ١٩٣٨ محاولاً البحث عن نفسه، لكنه عاش أوقاتا صعبة من ضيق العيش حتى قرر العمل في الملاهي الليلية طمعاً في الأجر العالي، ليلتحق بفرقة بديعة مصابني، ثم فرقة فاطمة رشدي، ثم الفرقة القومية للمسرح. وفي العشرين من عمره، تقدم إلى امتحان الإذاعة كمطرب لكنه رسب كمطرب ونجح كملحن.
لم يكن فوزي يعلم أن ملهى بديعة سيكون السبب في تعرفه على العباقرة، حيث تعرف على كل من فريد الأطرش ومحمد عبد المطلب ومحمود الشريف، وقرر المشاركة معهم في تلحين الاسكتشات والاستعراضات وغنائها، ورغم اعتماده كملحن إلا أنه استمر يسعى نحو حلم الغناء، فقام بإحياء أعمال سيد درويش ليتعاقد بعدها مع الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى كممثل ومغني في مسرحية “شهرزاد” لسيد درويش.
ملحن سبق عصره
تكمن قيمة محمد فوزي في أنه صاحب الريادة في تقديم جمل لحنية جديدة على أذن المستمعين، حيث أصبحت تلك الجمل فيما بعد فنوناً قائمة بذاتها. فمثلاً هو أول من قدم أغنية للطفل مثل “ماما زمانها جاية”، “ذهب الليل”، “هاتوا الفوانيس يا ولاد” وغيرها.
كما أنه أول من قدم أغنية فرانكو آراب وهي “يا مصطفى يا مصطفى” والتي غناها برونوموري شقيق الفنانة العالمية داليدا والمطرب بوب عزام في عام 1961، ثم ظهرت في فيلم “الحب كده” لتنطلق بعدها هذه الأغنية مترجمة إلى العديد من اللغات مثل الإنجليزية والفرنسية والإيطالية وحتى اللغة الأوردية، ليكرر التجربة بعدها في أغنية “فطومة أنا قلبي حبك”.
وأيضاً كان أول من قدم أغنية بفن “الأكابيلا”، وهو فن استعراضي سمعي يستغني عن مصاحبة الفرقة الموسيقية وآلاتها، ويستعين بدلا منها بالصوت البشري من كل الطبقات. حيث قدم أغنية “كلمني ضمني” في فيلم “معجزة السماء” ليثبت عبقريته في خلق مساحات لحنية جديدة دائماً.
ماذا أكل وقت الفقر
حين جاء فوزي من طنطا إلى القاهرة باحثاً عن تحقيق نفسه أقام في غرفة تكفي نومه فقط، وكانت والدته ترسل إليه جنيهًا في الشهر كان يكفيه بالكاد.
ولكنه لم ييأس بسبب فقره، حيث فكر في حلول مبتكرة ليستطيع تدبير أموره. فاتفق مع صاحب محل حلواني مواجه لمنزله، على أن يتناول يوميًا وجباته الثلاث لبن وكنافة فقط بشرط أن يسدد ثمنها آخر الشهر، لكنه حين كان يحقق دخلاً إضافياً كان يكافئ نفسه بوجبة شهية من اللحم، وأثناء تعاقده مع أحد ملاهي الإسكندرية اكتشف بائع لحوم على عربة أمام الملهى، وأصبح فوزي بمرور الأيام زبونًا مستديمًا لديه لأنه أحب طعم ساندويتشات اللحمة التي كان يقدمها، ويدفع للبائع شلناً مقابل هذا الساندويتش الفاخر، وفي إحدى الليالي خرج من الملهى فلم يجد البائع، ولما سأل عنه أخبروه أن البوليس قبض عليه، لأنه كان يبيع “لحم حمير”! فصرخ فوزي قائلًا: “على كده أنا أكلت من عنده حمارين”.
تاريخ مبهر
تاريخ محمد فوزي طويل ومؤثر، ففي رصيده 400 أغنية، حوالي 300 منها في الأفلام مثل “حبيبي و عينيه” و”ماله القمر ماله” وغيرها.
كيف خدعه المشهد السياسي
تحدث الكاتب والصحفي أشرف غريب في كتابه “محمد فوزي، الوثائق الخاصة” عن علاقة محمد فوزي بالسلطة فقال: ” محمد فوزى كان بريئًا، لم يقرأ المشهد السياسى كما قرأته أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، اللذان كانا يملكان الذكاء المناسب لإدارة موهبتهما، ولهما شلة من المستشارين يقولون لهما ماذا يفعلان وكيف يتصرفان، ومن هو قائد الثورة الفعلى.
والبسطاء كانوا يتصورون أن محمد نجيب هو قائد الثورة، وكذلك تصور محمد فوزى وليلى مراد، لذا كانت صور فوزي مع محمد نجيب وبالًا عليه. صحيح أن عبدالوهاب ظهر مع نجيب هو الآخر، لكن ذلك كان فى صورة واحدة بعكس محمد فوزي”.
وتابع قائلاً “أؤكد أنه عندما صودرت أموال عبدالوهاب وأم كلثوم، على اعتبار أنهما حققاها فى عهد الملكية البائد، إحدى الدول العربية الخليجية توسطت لهما لإعادة تلك الأموال، وفى المقابل لم يملك فوزي مثل تلك الوساطات، فقد كان يعمل لفنه فقط”. ومن المعروف أن أزمته تلك كانت سبباً في اكتئابه حتى توفاه الله.
كيف أممت الثورة مصدر رزقه
أسس محمد فوزي شركة “مصر فون” التي تعد أول شركة في مصر تقوم بطباعة وإنتاج الاسطوانات بعدما كان لا يتم ذلك إلا من خلال السفر إلى باريس أو اليونان. وكانت تعتبر ضربة قاصمة لشركات الإسطوانات الأجنبية التي كانت تبيع الإسطوانة بتسعين قرشاً، بينما كانت شركة فوزي تبيعها بخمسة وثلاثين قرشاً، ويعود نجاح هذه الشركة إلى أنه فرغ نفسه لإدارتها من جهة، ومن جهة أخرى أنها أنتجت أغاني كبار المطربين في ذلك العصر مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهما.
وقد دفع تفوق شركة فوزي وجودة إنتاجها الحكومة في عصر جمال عبد الناصر إلى تأميمها سنة 1961م وتعيينه مديراً لها بمرتب 100جنيه وهو ما أصابه باكتئاب حاد كان مقدمة رحلة مرضه الطويلة.
المرض النادر الذي أصاب العبقري
في أوائل الستينيات بدأت متاعب محمد فوزي الصحية ومرضه الذي احتار أطباء العالم في تشخيصه، حيث سافر إلى لندن في أوائل العام 1965م، ثم عاد إلى مصر ولكنه سافر إلى ألمانيا بعدها بشهرين، حيث أصدر المستشفى الألماني بيانا قال فيه إنه لم يتوصّل إلى معرفة مرضه الحقيقى ولا كيفية علاجه وأنه خامس شخص على مستوى العالم يصيبه هذا المرض حيث وصل وزنة إلى 36 كيلو.
صورة محمد فوزي مع مديحة يسري – إنترنت
شخص المرض فيما بعد بأنه تليف الغشاء البريتوني الخلفي، وأطلق على هذا المرض وقتها مرض فوزي كما سماه طبيبه الألماني. وهكذا دخل محمد فوزى دوّامة طويلة مع المرض الذي أنهى حياته في 20 أكتوبر عام 1966 ببرلين في ألمانيا.
وصية تقطر حزناً
جاءت وصيته التي كتبها بنفسه مؤثرة جداً ففقي فقرة منها يقول محمد فوزي: “إن الموت علينا حق، وإذا لم نمت اليوم سنموت غداً، وأحمد الله أنني مؤمن بربي فلا أخاف الموت الذي قد يريحني من هذه الآلام التي أعانيها،
فقد أديت واجبي نحو بلدي و كنت أتمنى أن أؤدي الكثير، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة البشر، والأعمار بيد الله لن يطيلها الطب، ولكنى لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصراً في حق نفسي وفي حق مستقبل أولادي الذين لا يزالون يطلبون العلم في القاهرة. تحياتي إلى كل إنسان أحبني ورفع يده إلى السماء من أجلي. تحياتي لكل طفل أسعدته ألحاني. تحياتي لبلدي. أخيراً تحياتي لأولادي وأسرتي”.