الجوع والبرد يعصفان بالمؤيدين في سوريا .. أزمة أم خطة أمنية؟.. رأي: طارق السيد
تحركات مريبة وتحليل

تمتلئ الصفحات الموالية للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي، بمنشورات تتضمن انتقادات شديدة اللهجة للنظام السوري ولحكومته ولمجلس شعبه، حتى أن بشار الأسد لم يسلم من ردود الأفعال التي حملته مسؤولية ما يحصل.
بدأت بوادر الأزمة الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرة النظام السوري منذ شهر تقريباً، بعد تحمل المواطنين طوال 8 سنوات لأزمة الكهرباء، وسياسة التقنين المتبعة، بحيث تتوفر حوالي 12 ساعة في اليوم.
حتى أصبح الحال في الشهر الأخير ومع توقف أغلب المحطات الحرارية عن العمل بسبب غياب المشتقات النفطية لتشغيلها . مما زاد في أزمة الكهرباء وغابت نهائياً عن الكثير من المحافظات والبلدات حيث تمر الأيام والأسابيع على بعض المناطق ولا تتوفر الكهرباء إلا ساعة في النهار وقد لاتتوفر أبداً.
مع دخول فصل الشتاء واشتداد العواصف وموجات البرد، ونظراً لعدم وجود الكهرباء ازداد الطلب على المحروقات والغاز من أجل التدفئة ، الأمر الذي لم تحسب حسابه حكومة النظام السوري بحد قولهم.
وفي الوقت ذاته وإلى جانب هذه المشاكل، بدأت مشاكل أخرى بالظهور فانقطع حليب الأطفال من الأسواق فجأة، وبدأ غلاء الأسعار بشكل كبير بحجة أن كل المعامل يتم تشغيلها عبر المحروقات أو الكهرباء.
حتى أصبحت العاصمة دمشق، وحلب، واللاذقية، وحمص تشهد واقعاً سيئاً في الخدمات والتي ولدت غضباً شعبياً في الأوساط المؤيدة على نظام الأسد.
مؤخراً بات مشهد طوابير السوريين الذين ينتظرون تحت الأمطار في الشوارع مألوفاً، أملاً بالحصول على إسطوانة غاز، أو بضعة ليترات من المازوت، كما ينتظر المواطنون لأوقات طويلة للحصول على وسيلة نقل في المواصلات العامة.
ومع غياب كامل لمؤسسات النظام السوري عن هذا الوضع، ومع وعود للمواطنين وعدم تنفيذ أي شيء، تفاقم الوضع وبدأ التصعيد مباشرة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ردود الأفعال جراء تدهور الوضع المعيشي وغياب الخدمات تجاوزت عتبة الانتقاد ووصلت لمرحلة قيام سوريين بمحاولة الانتحار، حيث ظهر تسجيلاً مصوراً لرجل كان قد رمى بنفسه في نهر العاصي بحماة محاولاً الانتحار بسبب الفقر وعدم قدرته على تأمين أبسط حاجياته.
وظهر تسجيلاً آخر لرجل يمشي عارياً في شوارع اللاذقية، وذلك بعد أن قامت وزارة المالية والتموين والكهرباء والجمارك بزيارة محله وأخذ أتاوات منه بحسب الصفحات التي تداولت التسجيل.
عمد الناس في مناطق سيطرة النظام السوري إلى حرق أكياس النايلون والبلاستيك وإطارات السيارات القديمة للتدفئة، وما ينتج عن التدفئة عن طريق هذه المواد من أمراض تنفسية قد تؤدي إلى الاختناق والموت، وفي ظل غياب مواد التدفئة كالمازوت والغاز أو الحطب أو حتى الكهرباء.
وحتى أن هناك بعض العائلات قد نزحت من مناطق سيطرة الأسد في مدينة حلب، إلى المناطق المحررة في ريف حلب الغربي كونها تعيش واقعاً أفضل بقليل عن الواقع الذي تعيشه مناطق الأسد في حلب.
تحركات مريبة وتحليل
جاءت الشرارة من فنانين عرف عنهم ولائهم للنظام، مثل شكران مرتجى وأيمن زيدان، وأصدروا بيانات ورسائل ناشدوا فيها رأس النظام بشار الأسد لتوفير الأساسيات من غاز وكهرباء وحفظ كرامة المواطنين، انكسر بعد ذلك الحاجز وبدأ العديد من الفنانين والإعلاميين والمواليين للنظام السوري بانتقاد الوضع ومناشدة الرئيس للتدخل.
فإما أن يكون النظام هو من اقتاد هذه الفئة ليقوموا بذلك ليخفف من غضب الشارع، وهو المرجح أن يستخدم شخصيات بارزة لديه ليستنزف الغضب الموجود بسبب نقص الغاز والكهرباء والخدمات السيئة لكسب الوقت ،
من المتوقع جداً أن يخرج نفس الأشخاص خلال أيام ويقولون لقد تلقينا وعود بالتغيير.
أو أن هناك أمور أخرى أصبحت خارج نطاق هؤلاء الأشخاص وأصبحت تؤثر عليهم سلباً سواء على الصعيد العملي أو أمور أمنية تهدد مصالحهم، وخاصة بعد التغييرات التي تحدث في دمشق بالمراكز الأمنية من قبل روسيا.
هنالك بعض الأمور السياسية والتي تشير إلى أن إمكانية أن تكون روسيا نفسها خلف هذه الأزمة الاقتصادية، لإجبار النظام السوري على طلب المساعدة منها، ولفرض التخلي عن الدعم الإيراني، مما يسهل من عملية إخراج إيران من سوريا.
يذكر أنه منذ اندلاع الثورة السورية شاهدنا كيف بدأت حكومة النظام بالتضييق على المدنيين فيما يخص قطع الكهرباء والاتصالات والمياه وغيرها من الأمور الخدمية الأخرى، في سياسة واضحة لتركيع الشعب الثائر ضده، إلا أنها لم تحرك أي ذرة ضمير لدى هؤلاء الفنانين والإعلاميين الموالين للأسد.
لاحقاً بعد إصرار النظام السوري على الاستمرار في العنف ضد الشعب الثائر، وقتل مايقارب مليون سوري، وتهجير أكثر من 10 مليون، وتدمير العديد من المدن، كل هذا لم يحرك أي شيء لدى هؤلاء الفنانين والإعلاميين الموالين للأسد أيضاً.
الأمر الذي يشير إلى شيئ غريب، فالجميع أصبح حالياً ينتقد الفساد والمحسوبيات أهم أسباب الثورة السورية، فلذلك سيحاولون تبرير حربهم على الفساد بأنه هو من تسبب بهذه المشاكل ولم يجدوا أفضل من الفنانين والإعلاميين لتأييد هذه الطريقة ، معتبرين في الوقت ذاته أن الاحتجاجات كانت محددة والدليل أن البيانات هي مناشدة موجهة للرئيس فقط، ولكن بنفس الوقت تؤيد رأس النظام الذي قتل شعبه، لذلك الرسائل هدفها واضح هو محاربة الفساد بطريقة يريدها الأسد.
من المرجح أنه بعد موجة الاحتجاجات والشكاوى من تلك الفئة، ستليها المرحلة الثانية وهي عملية التغيير والإصلاح التي سيتقدم الأسد لقيادتها، ويقوم بتغيير الحكومة وبتغييرات جذرية في كل مفاصل الدولة، وسيعيد الغاز للأسواق، وكذلك حليب الأطفال والخبز، والمازوت وكل النواقص مع زيادة وهمية لرواتب الموظفين، وسيظهر حينها الأسد بطلاً ومنقذاً لسوريا.
ولكن بعد ماذا فسوريا التي أصبحت أخطر بلد في العالم، وأكثر بلاد العالم فساداً، وأصبح جواز سفرها هو الأسوء بين جوازات السفر في العالم، وتدهورت الليرة السورية 10 أضعاف، وارتفاع معدلات البطالة، وزيادة نسبة الفقر، ودمار البنى التحتية لأغلب المدن.
وخسارة السيطرة على المناطق الغنية بالثروات الباطنية كالنفط والغاز والفوسفات، وحتى الثروات المائية كسد الفرات ، فعن أي سوريا لا زال الأسد يصارع حتى الآن.
هذه بعض من المطالب الثورية التي بدأت بها الثورة في سوريا، وقد تم التجاوب معها بالطريقة التي اتبعها الأسد، تهديد واتهام للشعب الثائر، بالمؤامرات والأجندات والجراثيم، بقي الأسد رئيسا
غير قادر على القيام بأي إصلاح، ويريد لسياسة القمع الخاصة به أن تبقى مسيطرة على دماغ الشعب، لكي يبقى صامتاً خانعاً تحت رحمته فقط ولا أحد غيره.