مهزلة الخيانة العظمى.. رأي محمد تلجو

ما رأيكم بوجبة لحم عواس مطبوخة بالقطران يشرب معها كوكتيل حليب بالمازوت .
لعلها تشبه حكم قاض أوربي متطور يفترض أنه نزيه على عجوز بالإعدام رميا من الطائرة بجرم الخيانة العظمى لدولة إيطاليا الحديثة كما حصل مع عمر المختار وغيره.
من الطبيعي ألا يلام الذئب في عدوانه على الغنم ولكن ألا يلام الراعي عندما يسوق الأغنام لموائد الذئاب بدل أن يحميها منها كما يفعل كثير من حكام بلادنا.
انقلاب المعايير
كثيرا ما نسمع كلمات مثل ( خائن , خونة , إرهابيين ,خيانة عظمى ) فكيف تطلق هذه الأحكام في عصرنا الحالي ؟
للأسف نجد في عصرنا الحالي أن المعايير كلها قد انقلبت فأصبح الخائن أميناً ومؤتمناً وأصبح الأمين هو الإرهابي والخائن أما عميل الأعداء وذيلهم فقد أصبح إلها بنظر الكثيرين , ومجدت بطولة الجبناء وأصبح دعم الشذوذ بأنواعه هو مقياس التحضر ونجد أن العاهرة قد أصبحت هي الأم المثالية.
وللمفارقة العجيبة نجد أن من ينتقد الخطأ بلسانه أو يتظاهر سلمياً أو يكتب مقال بقلمه أو يقوم بسبق صحفي بكاميرته يتهم بالخيانة وتهديد السلم الأهلي والتآمر ضد المجتمع ومن يقتل بالصواريخ والبراميل المتفجرة وبكل أنواع الأسلحة القديمة منها والجديدة هو صانع السلام وساحق الإرهابيين.
انتقد صحفي الرئيس الروسي بوتين قائلا أنت تريد أن تكرر في سورية نموذج غروزني فأجاب الرئيس بوتين وما بها غروزني انظر إليها كيف أصبحت الآن
جميل هذا الجواب فماذا يعني لبوتن قتل 250 ألف مدني في غروزني وتدمير 95 بالمائة من أبنيتها
وللمفارقة المؤلمة نجد أن من يمارس إرهاب الدولة بكل وحشية تساق التبريرات لعمله وتلصق تهمة الخيانة لمعارض مسكين انتقد حاكما أو مسئولاً في بلده حتى ليخال أن الشاعر كان يراقب وسائل الإعلام الحديثة حينما قال:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
أسئلة لابد منها
من هو الخائن ؟!!
ومن ينطبق عليه جرمها؟!!
هل هو من يحاول تغيير هذا الواقع المرير لأمته وشعبه ؟
أم هو من يستخدم الحديد والنار ليكرس إرهاب الأنظمة الشمولية ويضمن استمرار دورها في استعباد البشر
و السؤال الطبيعي في ظل تقدم البشرية الهائل في كل الميادين كيف عرفت الدول موضوع الخيانة في دساتيرها وهل عالجت الأمر بشكل موضوعي أم بأهواء سياسية
وماذا وضعت لردع الخونة وخاصة الزعماء منهم في خيانة شعوبهم وبلادهم أم أنها سيف مسلط على الضعفاء والمعارضين فقط بينما نرى الحكام يمارسون إرهاب الدولة والذي يتضاءل عنده إرهاب كل التنظيمات و الأفراد
كم يلزم لحاكم أن يقتل من شعبه أو من غير شعبة حتى توجه له تهمة الخيانة العظمى أم أن قتل الحاكم لأبناء شعبه مسموح فهم مشاع له باعتبار دولنا إرثا خاصاً لحكامها بجمهورياتها وممالكها وأماراتها
كانت المفاجأة لي عند البحث في موضوع الخيانة العظمى في الدساتير والقوانين الدولية أنه ليس هناك تعريف قانوني واضح لها وليس لها بنود واضحة تحدد موجباتها وضوابط إطلاقها ووجدت أن الألفاظ الموصفة لجرم الخيانة العظمى عامة وتقبل تفاسير فضفاضة
ليس هناك ذكر للجرائم التي يرتكبها الحكام عادة كقتل المواطنين المعارضين أو القتل تحت التعذيب أو سرقة المليارات من أموال الشعب والتفريط بثرواته القومية أو التمسك المرِضي بالسلطة وتزوير الانتخابات وغيرها ولا تتناول أخطر موضوع ألا وهو رهن البلاد لدول خارجية وهذا نتوجه إلى القضاة والمحامين الأحرار في العالم لضرورة تسليط الضوء والعمل على قوننة هذه الجرائم ضمن الدساتير الحالية
الخيانة و الخيانة العظمى قانونيا
عادة توجه تهمة الخيانة إلى من يتصل بدولة خارجية بهدف تقويض الأمن والاستقرار في بلاده أو أن يقاتل مع طرف آخر ضد بلاده أو يتخابر مع دول أخرى عدوَّه مُـسَـرِّبَــاً لها أسرار الدولة أما إن كانت خاصة برئيس الدولة يضاف إليها كلمة العظمى
1- الدول الغربية
طبعا يختلف الأمر من دولة لأخرها لكنها للغرابة لم تتعامل مع موضوع الخيانة العظمى كما تعاملت مع غيرها من الجرائم كما تحدثنا أعلاه وبقي أمر جرم الخيانة كما هي تهمة الإرهاب نلبسها من نشاء وكيف نشاء لكن بدون شك فإن فصل السلطات خفف من حدتها وجعل هناك إمكانية في بعض الأحيان لمحاسبة الرئيس على الجرائم التي قد يرتكبها
كانت تهمة خيانة الوطن الموصوفة بالخيانة العظمى جريمة عقوبتها الإعدام شنقا منذ عام 1351 وكان أول شخص بريطاني تمت إدانته وإعدامه بالخيانة العظمى عام 1946 هو السياسي والإعلامي الايرلندي ويليام جويس وذلك لأنه كان يقدم برنامجا دعائيا ضد بريطانيا في إذاعة ألمانية وتوصف القانونية هيفاء زنكنة بعد اطلاعها على تفاصيل محاكمته لقد أعدم حويس بتهمة الخيانة العظمى لكن يدهش المتابع لضعف دليل الإدانة ضده في المحكمة
إن مفهوم الخيانة، حسب القانون البريطاني هو أي محاولة لإلحاق الضرر أو إسقاط الملكية أو الحكومة ويتم تصنيف هذه الأفعال تحت مسمى جريمة مبايعة أعداء التاج
الخيانة العظمى تتحقق في المادة 3 البند 3 من الدستور الأمريكي إذا حمل المرء سلاحاً لتدمير وطنه لأن ذلك من شأنه أن يهدد سلامة الوطن أما التخابر ونقل معلومات إلى دولة أخرى فهذا يعتبر عملاً تجسسياً ولا يرقى إلى جرم الخيانة العظمى حسب الدستور الأمريكي
أما في روسيا لا غرابة أن بوتين قد وسع مطاط الخيانة في الدستور ليدخل فيه كل معارضيه فكل من لديه معلومات سرية يعاقب بجرم الخيانة بالحبس لمدة 20 عاماً رغم اعتراض المنظمات الحقوقية العالمية
لكن رغم ذلك ما يحصل في الغرب لا يعادل واحد بالمليون مما يفعله الحكام في بلادنا و نذكر هنا ما جرى للرئيس “ريتشارد نيكسون” عام 1974 واستقالته تجنبا لتقديمه للمحاكمة في جريمة ووترجيت وكذا ما جرى مع الرئيس “بيل كلينتون” عام 1996 بسبب علاقاته الغرامية
2- في الأنظمة الشمولية
أكد الدكتور محمد نور فرحات أستاذ القانون الدولي بجامعة الزقازيق أن الخيانة العظمى لا تطبق على آحاد الناس فضلا أنه لا يوجد تعريف واضح أو محدد لها في القانون المصري
ولهذا رأينا مهزلة الاتهام الموجه للرئيس مرسي حين يحاكم بتهمة الخيانة العظمى لتخابره مع قطر وحماس وهو أمر يفترض أن يكون من صلب مهامه الرئاسية
المادة 60 من القانون اللبناني نصت أنه لا تبعية على رئيس الدولة أثناء أداءه مهامه إلا بجرم الخيانة العظمى لكنها لم تحدد ما هي الخيانة العظمى وعلق الفقيه أوجين بيار ما يلي إن القانون الدستوري لم يحدد الحالة التي يمكن معها نسبة جريمة الخيانة العظمى إلى رئيس الجمهورية ويعود لمجلس الشيوخ وحده لدى اتخاذه صفة المجلس الأعلى توصيف الأفعال المعتبرة جريمة وتحديد العقوبات وفقا للقوانين السارية
جرم الخيانة يطبق على المعارضين للحاكم فقط فمثلا في سورية نجد أن محاكم النظام السوري قضت بتوصيف فنانين وسياسيين في 15 آذار 2014 وعددهم 59 بجرم الخيانة وحكمت عليهم بالإعدام ومصادرة أملاكهم
بينما هي تتعامى عن رئيسها الذي قتل عشرات الآلاف من معارضيه تحت التعذيب ومئات الآلاف من المدنيين بالقصف بكل أنواع الأسلحة هدم بلده وشرد شعبها وأحضر الاحتلال الأجنبي ليحمي نظامه الدموي تحت أنظار العالم وسمعه
المهزلة الكبرى أن نشاهد المنظمات الدولية تراقب أو تسوق للجرائم الجماعية كالتهجير والتطير العرقي والتغيير الديمغرافي بحجة الواقعية الدولية وتطلق تعابير عجيبة كإعادة تأهيل النظام رغم كل جرائمه الفاضحة.
وهكذا نرى أن التعامل مع موضوع الخيانة العظمى يتم كشكل من الأمور السياسية فقط دون أن يكون له جانب حقوقي أو قانوني أو أخلاقي إنساني ولم يتم التعامل معها على مستوى عالمي بشكل علمي وموضوعي كما تم التعامل مع غيرها من العلوم التطبيقية والنظرية مع أنها تمس أهم شؤون الدول ألا وهو سوء استخدام السلطة بشكل فاضح أو خيانة الدول والشعوب فيمن يفترض أنهم وكلاء عن الشعوب لتأمين راحة وسلامة وأمان الشعوب
فمتى ستصل البشرية إلى تشريع قوانين تجعل العقوبة على قدر الجرائم المرتكبة بحق من يولي شخصاً أو حكومةً مقادير الملايين من البشر