كذب السياسيون ولو صدقتهم جماهيرهم؟.. رأي راسيا سعادة

باسم الحرية والديمقراطية والعيش المشترك، باسم الدين والدفاع عن المعتقد، باسم حماية الأقليات وحق الأكثريات.
بهذه التسميات والشعارات الوهمية يرسمون أوطاننا بالكذب والنفاق، يـحـرقون العُشْبَ الأخضرَ في أحلامِنا ويكتبون أسماءهم فوق دمـ أجسادنا، يرممون ما تبقى من عظامنا؛ ليبنوا بها منابرهم فوق أشلائـنـا وتحت وسائد أطفالنا، وكأنهم يقولون لنا نحن آلهتكم؛ لذا عليكم الحج إلى رحمة زعامتنا لا إلى رحمة خالقكم… ونحن؟! ماذا عنا نحن؟!
نحن نعلق صورهم فوق صور عائلاتنا، و نصفق لكلامهم المليء بالفـتـنة والشر فوق كلام الله في الخير، ونضوي شموع قتـلـهم فوق شموع حياتنا ونشرب كأس حروبهم فوق كأس سلامنا ونصدق كذبهم فوق صدق صدقنا، وتدور وتلّف المشكلة.
نعم، المشكلة لم تعد إن كان السياسيون يكذبون أم لا، فهذه القضية تم تجاوزها منذ زمن، فإن كان من حقيقة لا بد أن نعلمها جميعًا فهي أنّ كلَّ السياسيين يمارسون الكذبَ، لكن بنسبٍ وأسبابٍ متفاوتة، وفي المقابل أغلب الجماهير تميل لتصديقهم مهما بلغت ثقافتهم، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: ما الدوافع التي تجعلُ السياسيين لا يتوقفون عن الكذب، فيما لا تتوقف الجماهير عن تصديقهم؟
أغلب السياسيين نرجسيين يحملون اعتزازًا مفرطًا بالذات، وشعورًا مبالغًا فيه بالاستحقاق؛ لذا يعتقدون أنهم دائمًا على حق وإن كذبوا، كما يرون أنفُسَهم دومًا أكثر ذكاءً ويرون حكاياتهم أكثر حبكةً ومدعاة للتصديق من قبل الجماهير الأقل منهم ذكاءً، هذا عداك عن أسلوبهم في نشر الخوف والحشد ضد الخصوم، فجميع السياسيين يدركون أن رأسمالهم في البقاء هو “الخوف”، و كلما شعرت الجماهير أن هناك ما يهددها، كانت مستعدةً أكثر لتصديق أي شيء.
السياسيون يثقون في سيطرة أتباعهم على الجماهير لذا يبقى في رأس السياسي أن جمهوره يعيش في غرفة مغلقة يشاهد جهازًا يتحكم فيما يبثه، وصحيفةً يتحكم فيما تكتبه، و مواقع وشبكات تبث أكاذيبهم باستمرار؛ لذا صوت الحقيقة سيظل ضعيفًا وسط ركام هذا الزيف، وفي الوقت الذي تنكشف فيه الحقيقة ستكون القضية قد انتهت والجماهير قد نسيت الكذبة أو على الأقل “تناستها”، فالحقيقة دائمًا متعبة ومكلفة والناس لا تريد أن تستمع للحقائق التي تهدد وجودهم، وتريد أن تصدق أن هناك خطرًا خارجيًا وأنّ دولتهم تتولى حمايتهم منه، فذلك أسهل بكثير من تصديق أنّ دولتهم نفسها خطر عليهم، فمن السهل أن تصدق سياسيًا يعدك بالجنة على الأرض، بدلًا من أن تصدّقَ آخر يطالبك بالعمل والشقاء والتحمل والصبر.
هذه الأكاذيب تلحقها تضخمات تجبر الناس على افتراض أن الكذب يتلاشى تلقائيا، فكلما سمع الناس المعلومة أو الخبر بشكل مكثّف زاد تصديقهم لها بشكل لا إرادي، الناس بالطبع يعتقدون أن المتداول والسائد هو الحقيقي وإلاّ لما أصبح متداولًا وسائدًا، والحقيقة غير ذلك، فالأخبار الكاذبة والشائعات أكثر انتشارًا وعرضة للتكرار وغالبا ما يمتلك الساسة وسائل الإعلام التي تضمن سيطرتهم الدائمة على الآذان والعيون، وبالتبعية على الأفهام والعقول بشكل أعمى.
فهل سيبقى الجمهور أعمى مدى الحياة؟ أم سيصحو من غيبوبة التبعية ودوّامة الكذب العالق فيها يومًا ما؟؟
اقرأ أيضاً: الحب بريء مما يصفون.. فلنحب كما يحلو لنا!.. رأي : راسيا سعادة