“جابر عثرات الكرام” يظهر في إسطنبول..وزّع ظروفـاً مليئة بالأموال للفقراء!

في موقفٍ نبيل، تفاجـأ سكّان حي هاس كوي بمنطقة بي أوغلو في ولاية إسطنبول في تركيا، بوصول عدد كبير من الظروف المغلقة التي تحتوي على مبالغ مالية إلى منازل الفقراء في الحي.
وذكرت صحيفة “ديلي صباح” التركية، الإثنين ٤ مارس/ آذار أن الظروف وصلت إلى منازل الفقراء فقط في الحي، وهي تحتوي على مبالغ مالية لا تقل عن الـ ٢٠٠ دولار أمريكي، ويتم إلقاؤها داخل منازل الفقراء دون أن يكشف الشخص أو الجهة التي تقدّمها عن نفسها، وهو ما يذكّر بقصّة “جابر عثرات الكرام” الشهيرة في التاريخ العربي.
وحسبما نقلت الصحيفة التركية عن سكان الحي، فإن الظروف تحتوي على مبالغ مالية متفاوتة لا تقل عن ١٠٠٠ ليرة تركية ( حوالي ٢٠٠ دولار أمريكي) ووصلت إلى منازل الفقراء، وبعض المنازل وصلها أكثر من ظرف خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ويعثر السكان على الظروف في الصباح الباكر، أثناء خروجهم لصلاة الفجر أو للعمل، وهو ما يؤكد أن من يضعها يقوم بوضعها بساعة متأخرة من الليل كي لا يكشفه أحد.
ورغم محاولة سكان الحي التعرّف على الجهة التي تقدّم لهم الدعم، لكنّهم لم يتمكنوا من ذلك، ليطلقوا على الشخص لقب “الخضر” في إشارة إلى الرجل الصالح الشهير بهذا الإسم.
من هو جابر عثرات الكرام؟
وجابر عثرات الكرام هو عكرمة الفياض الرّبعي، وقد لُقّب بالفياض لـشدّة كرمه، وقد كان يقوم بإعطاء المال للفقراء والمحتاجين والمتعثرين من التجار عبر وضع الأموال أمام منازلهم والطرق عليهم قبل أن يتوارى عن الأنظار في الليل.
اشتهرت قصّة عكرمة في زمن الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك، وبالتحديد عندما تعرّض خزيمة بن بشر الشهير بالكرم في زمانه لمــحـنة مادية، وتراكمت عليه الديون، لدرجة أن أهله وأصحابه تخلّوا عنه عندما علموا بوضعه الجديد وبتبدّل حاله من الثراء إلى الفقر، لدرجة أن خزيمة قرر اعتزال الناس وأن لايكلم أحد حتى لا يرى نظرة العطف عليه من أحد.
وكان حينها عكرمة الفياض والياً على الجزيرة، وبينما هو في مجلسه سأل عن خزيمة وسبب غيابه لفترة من الزمن عن المجلس، فأخبروه بحاله.
ولمّا كان من الليل، قام عكرمة بأخذ ٤ آلاف دينار ووضعها في كيسٍ واحد، وانطلق بها على ظهر دابته إلى منزل خزيمة، فطرق الباب ولمّا خرج إليه أعطاه المال قائلاً:” خذه وأصلح به من شأنك، فسأله خزيمة من أنت؟ فأجابه لو أردتك أن تعرفني لما جئتك متخفياً في هذا الليل.
وبعد أن رفض خزيمة أخذ المال إلا أن يعلم من الذي يعطيه، قال له عكرمة أنا “جابر عثرات الكرام” وذهب يركض واختفى عن الأنظار.
ولمّا عاد عكرمة إلى منزله، ظنّت زوجته أنّه قد تزّوج عليها أو يعرف امرأة عليها، فلطمت خدّها وقالت له ” أغــدرت بي يا عكرمة”، فقال أتكتمي سري؟، فلما أجابته بالقبول روى لها قصّته مع خزيمة حتى هدأ من روعها.
وبعد ذلك بدأ خزيمة بالعودة إلى ما كان عليه في السابق، وجهّز نفسه لزيارة الخليفة سليمان بن عبدالملك، ولما مثل بين يدي سليمان، سأله ما أخّرك عنا؟.. فروى له خزيمة قصّته مع سائر الليل.
وسأل الملك عنه وما إن كان يعرفه، فأجابه بالنفي وأنّه أجاب بأنه “جابر عثـرات الكرام واختفى”، فأثار الفضول لدى سليمان لرؤية هذا الرجل الكريم الجواد.
وأمر سليمان لخزيمة بأن يتوّلى أمر الجزيرة بدلاً من عكرمة الفياض، فلما عاد خزيمة نزل بدار الإمارة وأوّل ما أمر به هو استلام الأموال من عكرمة، فوجد عليه ديوناً كثيرة، فطلب خزيمة من عكرمة أن يردها إليه، ولما كان لايملك المال نظراً لأنه أنفقه على الفقراء الذين كان خزيمة أحدهم، أمر خزيمة بسجن عكرمة دون أن يعلم أنه هو من أصلح له حاله ووقف بجانبه.
ولما طال مكوث عكرمة بالسـجـن، أرسلت زوجته جاريةً لها إلى خزيمة وقالت لها اختلي به، ثم قولي له أهذا جزاء جابر عثرات الكرام؟، ولما سمع خزيمة ذلك ذهب إلى محبس عكرمة حيث وجده ضعيفاً هزيلاً رث الثياب، فقبّل رأسه قائلاً : كريم أفعالك وسوء مكافأتي، ثمّ خرجا سوياً وأوصل عكرمة لمنزله واعتذر لزوجته.
واصطحب خزيمة عكرمة وذهب به لسليمان بن عبدالملك الذي استغرب قدوم واليه على الجزيرة دون أن يستدعيه أو يكتب له، فقال خزيمة، لقد ظفرت بـجابر عثرات الكرام، وهو عكرمة الفياض، وما كان من سليمان إلّا أن أمر بسد جميع ديون عكرمة وولاه أرمينية وأذربيجان وأبقى بخزيمة والياً على الجزيرة.