رويترز: الاستثمارات بقطاع الكهرباء في سوريا تواجه تحديات النهب وانعدام الأمن

مدى بوست_ وكالات
أعلنت قطر الأسبوع الماضي عن صفقة ضخمة تقودها شركة “UCC” القطرية، تهدف إلى إعادة إعمار قطاع الطاقة في سوريا بتكلفة تقدّر بـ7 مليارات دولار، من خلال إنشاء محطات طاقة جديدة.
ويُعد هذا الاستثمار الأجنبي الأكبر في البلاد منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات الأميركية المفروضة على دمشق الشهر الماضي.
ورغم أهمية الخطوة القطرية، إلا أن مراقبين يرون أن مشاريع الطاقة الجديدة ستظل بلا جدوى ما لم تتمكن الحكومة السورية من وقف العصابات المسلحة التي تسرق كابلات الكهرباء بوتيرة أسرع من قدرة الدولة على إصلاحها، في ظل نقص السيولة الحاد.
وأدت سنوات من الإهمال إلى جعل شبكة محطات التحويل وأبراج الكهرباء عرضة للنهب، حيث يواصل اللصوص سرقة الكابلات والمكونات الأخرى.
وأشارت وكالة (رويترز) للأنباء إلى أن ثلثي الشبكة قد دُمر أو بات بحاجة لإصلاحات جذرية، فيما تقدر كلفة إصلاح الشبكة بـ5.5 مليارات دولار، وهو مبلغ لا تملكه الدولة حالياً، ما يستدعي الحاجة إلى استثمارات خاصة أو تمويلات خارجية.
مشاريع جديدة وتأخير في عودة الكهرباء
وفي تصريح للوكالة، أوضح وزير الطاقة محمد البشير أن المشاريع التي تقودها قطر تشمل “أربع محطات غازية بتقنية الدورة المركبة إضافة إلى محطة طاقة شمسية، وستحتاج إلى ثلاث سنوات لتصبح عاملة بالكامل”.
وأضاف: “خلال تلك الفترة قد نكمل إعادة تأهيل الشبكة”.
وقبل عام 2011، كانت شبكة الكهرباء تغطي 99 بالمئة من السوريين، أما اليوم فهي تنتج أقل من خمس إنتاجها السابق، ومعظم الإنتاج يُسرق.
ولا تقتصر السرقات على الكابلات فقط، بل يتم أيضاً سحب الكهرباء بشكل غير قانوني من الشبكة، مما يحرم السوريين من الكهرباء إلا لبضع ساعات يومياً، حتى في دمشق حيث تلوث المولدات البدائية الأجواء بروائح العوادم.
هذا الواقع فرض على المواطنين نمط حياة قاسٍ، حيث يضطر كثيرون للاستيقاظ باكراً للقيام بالأعمال المنزلية عندما تتوفر الكهرباء، ثم يعودون للنوم، كما يضطرون لشراء وطهي كميات محدودة من الطعام الطازج كل يوم لعدم القدرة على تبريد المواد الغذائية بشكل مناسب.
سرقات منظمة تعيق جهود الإصلاح
ومع الفوضى التي أعقبت سقوط الأسد، تزايدت عمليات إسقاط أبراج النقل في جميع أنحاء البلاد وسرقة الكابلات بهدف بيع النحاس والألمنيوم في السوق السوداء. وفي محيط أكبر محطة كهرباء في سوريا، دير علي جنوب دمشق، تتدلى الكابلات المقطوعة من أبراج أصبحت الآن معزولة عن الشبكة.
وقال خالد أبو دي، رئيس المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء في سوريا، لرويترز: “فرقنا تعمل في مكان والسرقة تحصل في مكان آخر”.
وأضاف: “أكثر من 80 كيلومتراً من الكابلات في جنوب سوريا تعرضت للسرقة منذ سقوط الأسد”، مشيراً إلى أن أعمال النهب في شرق سوريا أحبطت محاولات استعادة خط ناقل رئيسي.
وتابع: “نحن نتحدث عن خط طوله 280 كيلومتراً، لا يمكننا توظيف حراسة على طول هذا الخط”.
من جهته، قال أحمد الأخرس، الذي يقود جهود إصلاح الشبكة في الجنوب، إن فرقه غالباً ما يشهدون أعمال النهب دون القدرة على التدخل، لأن اللصوص عادة ما يكونون مسلحين.
وأضاف: “مستودعاتنا شبه فارغة. بين مدينتي السويداء ودرعا، سُرق 130 طناً من الموصلات الكهربائية المصنوعة من الألمنيوم عالي الجهد خلال الأشهر الماضية”.
مقومات الاستثمار مفقودة ومخاطر عالية
ورغم الحديث عن التعافي، فإن سوريا ما زالت وجهة عالية المخاطر للمستثمرين في ظل غياب مقومات أساسية مثل العملة المستقرة وقطاع مصرفي فعال والأمن، وفقاً لما ذكره غياث بلال، الخبير في قطاع الطاقة السوري، الذي أكد أن “انعدام الأمن وضعف السيطرة على الأراضي يعوقان محاولات الحكومة لترميم الشبكة”.
وقال وزير الطاقة محمد البشير إن الحكومة تراهن على أن يلعب القطاع الخاص دوراً رئيسياً في إصلاح الشبكة، مع إمكانية مشاركة الشركات كمتعهدين مع الدولة وبيع الطاقة للمستهلكين مباشرةً لاسترداد استثماراتهم.
ومن جانبه، صرح المتحدث باسم وزارة الطاقة أحمد سليمان أن “شركات صينية وأميركية وقطرية وتركية أبدت اهتمامها بالاستثمار في الشبكة منذ إعلان ترمب رفع العقوبات”.
وأشار سليمان إلى أن خطط الحكومة تتوقع أن يقوم المستثمرون بتأجير محطات التحويل وخطوط النقل عالية الجهد حتى استرداد استثماراتهم.
مبادرات من رجال الأعمال لمنافسة أسعار المولدات
وأما عن التحديات أمام المستثمرين، فقد أوضح سامر دهي، الباحث في قطاع الكهرباء لدى المعهد اللبناني للدراسات السوقية، أن “الكهرباء كانت مدعومة بشكل كبير في سوريا، وكان المستهلكون في عهد الأسد يدفعون جزءاً بسيطاً من التكلفة الحقيقية”.
ونظراً لأن 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، سيكون رفع الدعم تدريجياً فقط، وفي مقابل هذه التحديات، يرى بعض المستثمرين فرصاً لمنافسة أسعار البدائل الحالية مثل المولدات الخاصة.
وقال رجل الأعمال السوري ضياء قدور، الذي يخطط لاستثمار 25 مليون دولار في شبكة الكهرباء في شمال سوريا، إنه يتوقع “تقديم أسعار أقل بكثير مما يدفعه المستهلكون حالياً مقابل تلك البدائل”.
وأضاف قدور، الذي يدير شركة “STH Holding” المرخصة في تركيا: “خطة البداية هي توفير الكهرباء لما يصل إلى 150 ألف منزل في ريف حلب، بالاعتماد على الطاقة القادمة من تركيا المجاورة”. وختم: “أفضل ما لدينا هو أننا متواجدون على الأرض منذ خمس سنوات”.