“قناعة تنتظر الرسوخ” .. رأي حسن الدغيم |مدى بوست

ولدت في بيت يعشق الإسلام والإسلاميين والمسلمين ويحب العلماء والدعاة والصالحين ، ويحب الراشدين والأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانيين وحتى أنه يحب تركت أوزال وأربكان وأردوغان والإخوان والدعوة والتبليغ (الأحباب ) والسلفية المعتدلة والصوفية العلمية.

وطالعت عشرات المجلات والإصدارات وخاصة من الكتاب الإسلاميين وعلى رأسهم سيد قطب وحزب التحرير ، ثم دخلت كلية الشريعة فدرست الملل والنحل وتوسعت في المذاهب والمناهج وخاصة السنة ومدارسهم والشيعة وثوراتهم والمعتزلة وتصوراتهم والخوارج ومروقاتهم والقرامطة وضلالاتهم ، ثم بعد قيام ثورة الكرامة مارست جزءاً مهماً من الكفاح الإسلامي (الدعوة – الإرشاد الجهادي- القضاء- التنسيق والتنظيم )، ومن ثم التفكير والتنظير والإقناع والردود.

ومن الطبيعي أن يكون بعد الدخول في سن الأربعين لمثلي أن يكون هناك تصور واضح عن (المشروع الإسلامي ) الذي درسه ودرَّسه ومارسه ، ولكني أصدقكم القول أني حتى الآن لاأعلم ماهي معالم هذا المشروع ولا محدداته ولا قدرته على التداول والإقناع والتشخص ، بل هو حتى الآن مجرد اندفاعات عاطفية وانبعاثات روحية وأدبيات محفوظة وصور مستدعاة من الذاكرة الجمعية ، وهي أشبه بحمولة مرهقة يسير بها حاملها وسط طريقٍ مفخخ معتم لايدري متى تنفجر قنابله أو تسري له حياته وعقاربه ، طريق يأكل أبناءه ويقتل حراسه ويتركهم عرضة التشظي والانقسام الدائم ، لأنهم يعودون في تصورهم للحلول إلى ماض قرؤوا عنه وجمالٍ حُدِثوا به وكان ذلك الماضي في سياق لايتكرر وماضٍ لايعود ، فحيل بين عقولهم وممكناتها وقلوبهم وأمنياتها ، فصاروا للشعر أقرب منهم للحكمة وللفروسية أقرب منهم للهندسة ، كرجل أسكره جمال معللته بالوصل فمشى بين الشوك حتى تحفرت قدماه.

إنه طريقٌ يهدف لبناء دولة سمعنا عنها ولانعرفها وقرأنا عنها ولم تُشَبَّه لنا نظنها قاب قوسين أو أدنى ، ومن دونها خرط القتاد ، ويسهل ادعاءُ الهداية لها من كلِ برٍ وفاجر، وأعلاهم صوتاً وأكثرهم زعيقاً هو أوفرهم حظاً بتمثلها، بينما يعيش صاحب الصوت الهادئ على ضفاف الحدث بين سكاكين الحشاشين وافتراء الخراصين وخذلان الصامتين وابتزاز المنتفعين.

إن هذا الطريق وبهذه الأنماط المعتادة من السير الدامي فيه لن يفرج في نهاية الأمر عن نورٍ في آخر النفق بل سيكرر الظلمة والغربة على أهله ، لأنه بعيدٌ عن العلم مصادمٌ للقوانين الطبيعية، يسبح في عالم الأفكار ويغرق في عالم المشاريع.

لقد وصلت لقناعة بعد الدراسة والممارسة أن تغييراً حقيقياً يجب أن يكون في أسس العمل الإسلامي لافي شكلياته هو الوحيد الذي يمكن أن يحفظ السائرين به ليحققوا شيئاً من أهدافهم ويساهموا في انتشال أمتهم ، وعلى رأس هذا التغيير وأولياته التخلي عن النظرة الجاهزة والموحدة لمستقبل وهدف المشروع الإسلامي بإقامة الدولة التي يتصورونها في قلوبهم ، وأن هذه النظرة الجاهزة والموحدة والتي لايقبلون لها تحليلاً أو تجزئة هي من أكثر مايرهق حركتهم ويمنعهم فرصة الاستثمار في الآخرين من أصدقاء وحلفاء على طريق الحرية ، فهم بسبب هذه النظرة في عيون الآخرين إما أوصياء وشرطة فضيلة إذا أظهروا مرادهم ، وإما باطنيون إن لم يظهروا ذلك وينتظرون التمكن من المشهد حتى يطبقوا نظرتهم الجاهزة ، ولهذا لم يستطيعوا حتى الآن اجتذاب الأغلبية الصامتة معهم في معارك التغيير والإصلاح .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى