بين ثورة الخبز وثورة الحرية.. رأي عباس شريفة

كما قد تولد الثورة من قلب نظم الفساد والاستبداد كما قامت دعوة موسى من قلب قصر فرعون.

فقد تولد ثورة مضادة أيضاً من قلب ثورة الحرية أو كما يسميها البعض ب ظاهرة الردة الثورية.

وسبب ذلك كما يقول أحدهم ” الناس صنفان ”

” فريق ينقاد للحق من قلبه وعقله، وفريق ينقاد لأي سبيل من بطنه وشهوته”

أكاد استشف من وراء دخان الإعلام الدجال والذي يصور الأسد على أنه منتصر في معركته مع الشعب السوري الثائر، بوادر ثورة جديدة من قلب مناطق سيطرة النظام من بين ركام القهر والحرمان من صريخ البطون الجائعة.

لكنها لم ولن تكون كثورة الحرية والكرامة التي فجرها السوريون في عام 2011.

ربما تكون ثورة الغاز والمازوت، ثورة حليب الأطفال والخبز.

ثورة الكهرباء ثورة الخدمات والمعاش، ثورة البطون الخاوية والأجساد العارية، ثورة المدن المنكوبة المظلمة المتلوثة.

التي ما كنا لنصل إليها لو آمن الناس كلهم أنه لا معنى للخبز والأمن بلا حرية وكرامة.

لو آمن هؤلاء جميعاُ أنه ليس بالخبز وحده يحي الإنسان، وإنما بإكسير الحرية والكرامة التي تصان بها الذات وتتحقق  معها معاني الخير والإنسانية.

لكن يبقى أسفي اليوم على من ينتقد النظام من  أشباه فنانين جعلوا الفن  لتطويع الشعب للسلطة  و من مثقفين  رخيصين باعوا أقلامهم  لأجل فُتاةٍ  من موائد السلطة ، من أولئك  الذين طالما وقفوا ضد ثورتنا وناصروا هذا النظام المجرم بحجة الأمن والخبز، حين تراهم اليوم يستشعرون حجم الكارثة والمصيبة التي صحا عليها هذا الشعب المسكين .

  ينتقدون السلطة اليوم عندما تتألم بطون الشعب من الجوع وليس عندما تتألم قلوبهم من فقد الانسانية والكرامة وربما ينتقدون السلطة كرضاعة كاذبة يتسلى بها الشعب عن جوعه إمعناً منهم في التمثيل على الشعب بدلا من التمثيل لأجل الشعب.

وهم يتخوفون من ثورة قادمة للمطالبة بحق الحياة أياً كان نوع هذه الحياة ذليلة كانت أم عزيزة المهم أن نعيش بدون لماذا المهم أن نبقى أشباحاً وصوراً لا روح لها، المهم أن نبقى في الزريبة والمعلف قد امتلأ.

ولم يفهم هؤلاء أن من يضحي بكرامته وحريته مقابل الخبز خسر خبزه ولم ينل من طعم الحرية والكرامة شيئاً.

لم يدرك هؤلاء أن معادلة القبول بالاستبداد مقابل الأمن والحياة ستذهب بالأمن والحياة والوطن معاً، كيف لا وهذه الأنظمة تتغذى على التخويف والقهر وتكتسب شرعيتها من السطو والقتل.

قد تكون كتابات بعض الفنانين الناقدة للنظام  القاتل والشاكية من سوء الأوضاع المعيشية، بتوجيه وتوظيف النظام نفسه، كما كان يفعل فينا ممثلون من أمثال  ياسر العظمة ودريد لحام في أعمالهم الفنية من التنفيس عن حالة الاحتقان التي يعيشها الشعب السوري وتخدير الوعي عن جذر المشكلة السياسية ، والذهاب بالوعي إلى وضع المسؤولية على الشعب نفسه باعتباره شعباً سلبياً وليس على فساد السلطة السياسية المستبدة .

والتي كانت تهدف لأمرين اثنين

1_ امتصاص نقمة الشعب الساخط على سوء الوضع الحياتي والتنفيس عن حالة الاحتقان بانتقاد ساخن لا يبرد غيظ القلوب الملتاعة.

2_وتوجيه الوعي الجماهيري إلى أن المشكلة في جوهرها اقتصادية معاشية وليست سياسية، والمسؤولية هنا تقع على الحكومة وليس النظام السياسي الفاسد، المهم في النهاية أن تستر عورات هذا النظام من أن يرها هذا الشعب الذي يفرك الغبش عن عينه.

لكن مما لا شك فيه أن هذا التوجيه من النظام للأقلام الناقدة المأجورة وفي هذا الوقت بالذات يجعلنا نقرأ المشهد بشكل مختلف عن قضية المؤامرة، وهو وجود تخوف حقيقي لدى النظام من انفجار الوضع في المناطق التي يسيطر عليها، ضمن معطيات ومؤشرات جعلته يعمل ضمن خطة استباقية لتطويق واحتواء أي تحرك وانفجار قادم، وتأتي كتابات الفنانين الناقدة ضمن هذه الاستراتيجية.

لكن ماهي مهمتنا في خضم هذه الكوامن القادمة للانفجار.

1_ أولا لفت أنظار الشعب المحتقن إلى سوء الأوضاع المعيشية، والمستمرة حتى بعد انتهاء الحرب كما يعلن النظام ليبصر حجم الكارثة والمصيبة التي سيصحو عليها بعد أن تنكشف غبار الحرب.

2_ قطع الطريق على من يحاولون تفسير الأزمة التي تعيشها مناطق النظام على أنها مجرد أزمة معاشية اقتصادية، وتفتيح الوعي الشعبي على الربط الدائم بين الأزمة المعاشية وأزمة الفساد والاستبداد السياسي التي تعيشها البلد، بحيث لا يكون الحل لكل هذه الأزمات إلا من خلال الإطاحة برأس النظام والإجابة على سؤال الثورة الذي خرجنا من أجله (الحرية والكرامة قبل كل شيء).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى