مفهوم الواقعية السياسية وفوائدها على الدول

ماهي الواقعية السياسية

نستخدم في حياتنا عبارة الواقعية السياسية على المواطنين أو السياسيين ومن المفترض أن نكون نعرف ماذا تعني وهنا نشرح جوهرها ومفهومها.

و هي عبارة عن نظرية في الفلسفة السياسية تحاول تفسير العلاقات السياسية وصياغتها وتقديم اقتراحات لها، ومن المفترض أن تكون الهدف الأساسي للفعل السياسي دولياً أو محلياً.

و تؤكد النظرية أن السياسيين على الصعيدين الدولي والمحلي يجب أن يجتهدوا، لزيادة سلطاتهم، والمبدأ السياسي الأخلاقي القائل بأن ‹‹من يملك القوة يملك الحق›› يلخص الواقعية السياسية في جوهرها، وبالتالي يمكن فحص النظرية إما باعتبارها اقتراحاً لما ينبغي أن تكون عليه الأمور؛ أي أنه على الأمم والسياسيين السعي وراء السلطة أو مصالحهم الخاصة، أو باعتبارها وصفاً للوضع السائد على الأمور، وهو أن الأمم والسياسيين يسعون فقط، وراء السلطة أو المصلحة الذاتية وربما لايمكنهم إلا السعي.وفقاً لتقرير صحيفة “iep” البريطانية .

ويؤكد معظم المنظرين السياسيين على أن الدول القومية هي الوكيل المتصل بالسلطة، بينما يركز الماركسيون على الطبقات وذلك قبل الثورة الفرنسية، التي دخلت فيها القومية الساحة السياسية بقوة، باعتبارها مذهبًا سياسيّاً، حيث تفترض الواقعية السياسية أن المصالح تحميها ممارسة السلطة، وأن العالم يتسم بقواعد السلطة المتنافسة، في السياسة الدولية.

كانت الواقعية السياسية تشمل الصلاحيات السياسية للأسر الحاكمة، بينما في القرن التاسع عشر كانت العاطفة القومية تركز اهتمام الواقعيين على تنمية الدولة القومية، وهي السياسة التي امتدت فيما بعد لتشمل الطموحات الاستعمارية من جانب القوى الغربية العظمى بريطانيا وفرنسا، وحتى بلجيكا وألمانيا والولايات المتحدة تأثروا بالاستعمار.

وامتدت الواقعية السياسية القومية لاحقاً إلى النظريات الجيوسياسية التي تدرك العالم باعتباره مُقسَّماً إلى ثقافات فوق قومية، مثل الشرق والغرب، والشمال والجنوب، والعالم القديم والعالم الجديد، أو مُركِّزاً على الطموحات القارية القومية الشاملة، إلا أن فرع الداروينية الاجتماعية يزعم من الواقعية السياسية أن بعض الأمم قد خلقت لتحكم الآخرين لكونها أفضل لهذا الأمر، وتظهر تأملات أرسطو عن العبودية في الكتاب الأول من السياسة هذا الأمر، بينما يركز الواقعيون السياسيون عادةً على الحاجة إلى ضمان أن الوكيل المتصل بالسلطة (سواء كان السياسي أو الأمة أو الثقافة) عليه أن يضمن بقاءها من خلال تأمين احتياجاتها ومصالحها قبل النظر إلى احتياجات الآخرين، و لنكتشف ظلال النظريات المختلفة ودلالاتها، علينا فحص تطبيقها على الشئون الدولية.

و ترى الواقعية السياسية الوصفية عادةً أن المجتمع الدولي يتسم بالأناركية (وهي فلسفة سياسية حيث تعتبر أن الدولة غير مرغوب فيها وليست ذات أهمية و هي مضرّة للمجتمع, و تروّج لمجتمع بلا دولة و تسعى لتحجيم أو إلغاء تدخل السُلطة فى سلوك العلاقات الانسانية.)، لأنه ليست هناك حكومة عالمية مسيطرة تفرض تشريعًا سائدًا من القواعد. وبينما لا تكون هذه الأناركية بالضرورة فوضوية، فربما تشترك العديد من الدول الأعضاء في المجتمع الدولي في معاهداتٍ أو في أنماط تجارية تولِّد نظامًا لها، إلا أن معظم المنظرين يستنتجون أن ذلك القانون أو المبادئ الأخلاقية لا تنطبق على ما وراء حدود الأمة.

و تدعم الواقعية السياسية رؤية هوبز للحالة الطبيعية، أي أن العلاقات بين الكيانات السياسية النفعية هي ليست بالضرورة أخلاقية، وأنه لا يمكن أن توجد عدالة أو مبادئ أخلاقية، دون وجود حكومة رئيسة لتشرِّع قواعد السلوك، حيث يقول هوبز في كتابه “الليفياثان”: (حيثما لا توجد سلطة مشتركة، لا يوجد قانون؛ وحيثما لا يوجد قانون، لا توجد عدالة إذا لم تؤسَّس سلطة، أو لم توجد سلطة عظيمة كافية لتحقيق الأمان لنا؛ فيكون من المشروع لكل شخص الاعتماد على قوته ومهارته الخاصة لاتخاذ الحذر من الآخرين) وعليه فإن الدول التي تنظر لبعضها البعض بعين الخوف والعداء والصراع، هومرض متفشي في النظام، بدون مجلس أو سلطة دولية عليا.

وتقول نظرية أخرى  بأن الأمة لا يمكنها إلا أن تقدِّم مصالحها على مصالح الأمم الأخرى؛ ويدل ذلك على أن البيئة الدولية مضطربة بطبيعة الأمر، فأي ما كان النظام القائم سينهار عندما تتنافس الأمم على الموارد ذاتها على سبيل المثال، وربما يتبع ذلك حرب. فلن يكون لدى الأمة في مثل تلك البيئة سوى نفسها لتعتمد عليها كما يقول الواقعيون .

ولا يترتب دائماً ما ينبغي أن يكون على ما هو كائن، في حال كون الواقعية السياسية الوصفية صحيحة، وليس بالضرورة تطبيق المبادئ الأخلاقية على الشئون الدولية، حيث يؤكد أحد الأشكال القوية للواقعية السياسية الوصفية أن الأمم نفعية بالضرورة، وأنه لا يمكنها صياغة السياسة الخارجية سوى في إطار ما يمكن أن تجنيه، وأنها بطبيعتها لا يمكنها وضع مصالحها الخاصة جانباً. ولكن عند تبنِّي الواقعية الوصفية، تكون كنظريةٍ مُحكَمة، مما يعني أن بوسعها دحض كل الأدلة المضادة للواقع بشروطها الخاصة فمثلاً دليل أن تقدم دولة دعماً لدولة جوار كفعل إيثاري ظاهري على يمكن نفيه بالإشارة إلى بعض الدوافع النفعية التي من المحتمل أن تكون لدى الأمة المانحة، وهذا من شأنه أن يثبت عدم جدوى أي محاولة لإدخال المبادئ الأخلاقية إلى الشئون الدولية.

ويعتمد فحص صحة الواقعية السياسية الوصفية على احتمالية معرفة الدوافع السياسية، مما يعني بدوره معرفة دوافع مسئولي الدولة المختلفين و دبلوماسييها. ومما يصعب هذه المهمة وربما يجعلها مستحيلة العلاقة المعقدة بين أفعال المسئولين ودوافعهم وخدعهم وبين السياسة الخارجية الفعلية، وهذا الذي يجعلها مهمة موكلة إلى المؤرخين وليس الفلاسفة.

و تستلزم الطبيعة المُحكَمة للواقعية الوصفية من الناحية المنطقية صحة الافتراض المناقض لها، بأن الأمم لا تخدم أي مصالح على الإطلاق، أو أن بوسعها خدمة مصالح الآخرين فقط، بنفس القدر.

و تفيد الصحة المنطقية للاستراتيجيات الناتجة الثلاثة أن تفضيل موقفٍ على آخر هو قرار اعتباطي؛ أي أنه افتراض يمكن الأخذ به أو لا، و ذلك يبطل صحة الواقعية الوصفية؛ فهي ليست وصفا صحيحاً أو زائفاً للعلاقات الدولية، وإنما تختصر في افتراضٍ اعتباطي. حيث يمكن اختبار الافتراضات بالأدلة، ولكن لا يمكن إثبات صحتها أو خطأها في ذاتها. و ليس على الوضع أن يكون كما هو، أو كما ينبغي أن يكون، ونعتبر الساحة الدولية الحالية وصفاً مقبولاً لدول تتسم بغياب سلطة شاملة.

و لدعم الواقعية السياسية بصورة واضحة وقعت أكثر من 200 حرب وصراع منذ توقيع معاهدة وستفاليا عام 1648، وهذه الحالة الأناركية أدت كما يبدو إلى مقارنة بعض المفكرين لها بالأناركية المحلية، عندما لا توجد حكومة لتحكم الأمة أو تسيطر عليها، وبالتالي يعتقدون أن الحرب والصراع وانعدام الأمان كانت تشكل الحالة العادية للأمور دون سلطة عالمية، وربما حتى يستنتجوا أنه لا بد من حكومة عالمية تسيطر على أنشطة الدول الفردية وتشرف على شرعية شئونها وتعاقب الأمم التي تخرق القانون، ومن ثم تهدئ من الجو المضطرب الذي تجد الأمم أنفسها فيه، تمامًا كما قد تقضي الحكومة المحلية على الاضطرابات الداخلية. ولكن تفترض تلك ‹‹المماثلة المحلية›› مسبقًا أن العلاقات بين الأفراد والعلاقات بين الدول متماثلة.

ويرى في ذلك كريستيان وولف على سبيل المثال أنه ‹‹بما أن الأمم تُعتبر أشخاصاً أفراداً أحراراً يعيشون في حالتهم الطبيعية، لا بد كذلك من اعتبار الأمم بعضها البعض أشخاصاً أفراداً أحراراً يعيشون في حالتهم الطبيعية››. تتضمن مثل هذه الحُجة تجميعًا للأفراد أو تشخيص الدول؛ فربما تصف الواقعية الأمم بأنها أفراد تمثل على المسرح العالمي لتوسيع مصالحها الخاصة، ولكن يوجد وراء مفهوم فرنسا أو جنوب إفريقيا الملايين من الأفراد المميزين، الذين ربما يتفقون أو لا، مع مزاعم تحسين المصلحة القومية. يزعم البعض.

و أن العلاقات بين الدول ومواطنيها تختلف كثيراً  عن العلاقات بين الأمم ككل، لأن الأفراد بإمكانهم اعتناق معتقدات ويمكن أن يعانوا، بينما الدول لا يمكنها ذلك، حيث لم تكن المماثلة المحلية صالحة، فيجب اقتراح نظرية مختلفة لتفسير حالة الشئون الدولية، وهو ما يعني إما مراجعة الواقعية السياسية لوضع العلاقة الأكثر تعقيداً بين الكيانات الفردية والجمعية في الحسبان، أو الانتقال إلى نظرية بديلة للعلاقات الدولية.

و تتجاوز الواقعية السياسية التوجيهية القضايا الوصفية للواقعية السياسية، فتقول إن على الأمم السعي وراء مصالحها الخاصة مهما كانت الحالة الفعلية للشؤون الدولية، و تتحلل تلك النظرية إلى درجات متنوعة بناءً على المعيار المزعوم للمصلحة القومية، ومن الممكن تقديم عدة تعريفات لما ينبغي أن يشكّل المصلحة القومية؛ غالبًا ما تنطوي على الحاجة للاكتفاء الذاتي السياسي والاقتصادي، ومن ثم تقليل الاعتمادية على أمم غير موثوق بها، والإمكانية الأخلاقية لتوظيف وسائل متنوعة لتحقيق الغايات المرجوة.

و دعم كل من أفلاطون وأرسطو نظرية الاكتفاء الذاتي كعنصر مكون للمصلحة القومية، التي تعود لتاريخ طويل،  وفكرا أنه لتأمين سلطة الأمة عليها استيراد البضائع الضرورية فقط.

واستُغِلت قوة هذا المبدأ الاقتصادي غالباً لدعم الواقعية السياسية، وأكد المنظِّرون السياسيون وأنصار المذهب التجاري، خاصةً في القرن الثامن عشر، أنه لا يمكن الحفاظ على السلطة السياسية وزيادتها سوى من خلال تخفيض واردات الأمة وزيادة صادراتها، و العامل المشترك بين الموقفين هو القضية القائلة بأن الأمة لا يمكن أن تزداد ثراءً سوى على حساب الآخرين، فمثلاً “إذا ازدادت ثروة إنجلترا، تنخفض ثروة فرنسا بالتبعية”، ولكن هذا النسق التأثيري الذي يدعم الواقعية السياسية غير صحيح،  فالتجارة ليست نافعة لطرفٍ واحدٍ بالضرورة؛ فهي ذات نفع متبادل.

و أوضح الاقتصاديان آدم سميث وديفيد ريكاردو الفوائد التي سيكتسبها الطرفان من التجارة الحرة غير المقيدة، ولكن ربما يعترف الواقعي بالأمر ومع ذلك يرد بأنه على الأمم ألا تعتمد في قُوتِها على أمم أخرى برغم مكاسب التجارة، أو أنه لا ينبغي دعم التجارة الحرة بما أنها غالباً ما تستلزم تغييرات ثقافية غير مرغوب فيها، وهكذا تُعرَّف مصالح الأمة بأنها تعلو على أي منافع مادية تُكتَسب من التعاون والمشاركة الدولية.

يوصف الواقعيون السياسيون غالباً بأنهم لا أخلاقيين، وأنهم يؤمنون بضرورة استخدام أي وسيلة للحفاظ على المصلحة القومية. ولكن هناك نقداً حاداً لهذا الوصف،  حيث ينتقد وصف الواقعيون بأن تعريف الأخلاقية يتحوَّر ليظهر أن تصرف المرء في مصلحته أو مصلحة الأمة أمرٌ منافٍ للأخلاق، أو لا أخلاقي في أفضل الأحوال. وهذا ادعاءٌ غير عادل ضد خدمة المصالح القومية، تماما مثل الادعاء بأن أي فعل نفعي يقوم به المرء هو بالضرورة منافٍ للأخلاق على المستوى الشخصي.

ويستند هذا النقاش إلى أخلاقيات الحيادية،  فمن يؤمنوا بقانون أخلاقي عالمي يجادلوا بأن الفعل النفعي الذي لا يمكن تعميمه منافٍ للأخلاق، ولكن العالمية أو التعميم ليس المعيار الوحيد للأفعال الأخلاقية، وبالتالي يمكن الادعاء بأن على الانحياز لعب دورٍ في القرارات الأخلاقية،  فيعتبر الانحيازيون أنه من العبث ألّا يولي مسئولو الدولة أمتهم وزناً أخلاقياً أكبر من الأمم الأخرى، مثل أن  يهتم الآباء بأبنائهم وأبناء الآخرين بنفس القدر، ولكن إذا وُظِّفت الأخلاقية من حيث كونها إيثارية، أو على الأقل عالمية، وسيكون الأخلاقيون على حق، بأن محاولة الأمة أن تكون أخلاقية سيكون ضاراً للمصلحة القومية أو للعالم بأكمله، ومن ثم ينبغي تجاهل المبادئ الأخلاقية.

ولكن من المحتمل أن تكون الواقعية السياسية بطبيعة الحال مذهباً سياسياً أخلاقياً، إذا قبلت الأخلاقية صحة بعض الأفعال النفعية على الأقل.

وتعود الواقعية السياسية لتاريخٍ بعيد، حيث ظهرت في في البداية بكتاب تاريخ الحرب البلوبونيزية لـ”ثيوكيديدس”، وتوسعت في كتاب “الأمير لمكيافيلي”، وتبعه آخرون مثل توماس هوبز وسبينوزا وجان جاك روسو، كما أن شكسبير أضفى عليها صبغة درامية رائعة في مسرحية” ريتشارد الثالث”.

و خضعت النظرية لولادةٍ جديدةٍ في هيئة الداروينية الاجتماعية في أواخر القرن التاسع عشر ،التي فسَّر أتباعها النمو الاجتماعي، والسياسي بالتبعية، على إنه صراع يكون فيه البقاء للكيانات السياسية والثقافات الأقوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى